اقتصاد
في لحظة فارقة من مسيرة الجزائر الحديثة، كان صوت رئيس الجمهورية يعلو من منصة اقتصادية، ليكون أشبه بجَرَسِ يقظةٍ وطنية في ساحةٍ ازدحمت بالرهانات والآمال. لم يكن اللقاء السنوي بالمتعاملين الاقتصاديين مجرد تقليد إداري أو استعراضٍ أرقامي، بل كان نداءً صريحًا لوطن قرر أن يتحرر من قيود زمنٍ استهلكه الفساد وأتعبه التردد.
فالجزائر اليوم، وهي تودع عهدة أولى ثقيلة بثقل جائحةٍ خنقت اقتصادات العالم، لا تملك رفاهية الانتظار، ولا ترف تكرار أخطاء الماضي. رئيس الجمهورية، وهو يستعرض أرقامًا وطموحات تصافح السحاب، كان في حقيقة الأمر يعيد طرح السؤال الأزلي على رجال المال والأعمال: “في أي صف تقفون؟ مع الوطن في معركة بناء اقتصاده؟ أم في جحور التحايل والمضاربة؟”
الهبة الاقتصادية التي دعا إليها الرئيس، ليست مجرد أرقام في تقارير وزارة المالية، بل هي معركة كرامة وطنية، يُراد بها أن تستعيد الجزائر سيادتها على اقتصادها، وعقلها في قراراتها. وحين يتحدث رئيس دولة عن سعر البطاطا وتصدير التمور وكلفة فاتورة الاستيراد، فذاك دليل على أن معركة الوطن تبدأ من تفاصيله اليومية، وأن التنمية الحقيقية ليست شعاراتٍ جوفاء، بل خطوات صبورة ومسؤولة من فوق الأرض إلى أعالي المكاتب.
نهاية عهد ALGEX، وبداية تحرير مبادرة الاستثمار، وتطهير المشهد من “ديناصورات الاقتصاد”، ليست مجرد قرارات إدارية، بل إعلان عن انطلاق اقتصاد وطني نظيف، تُرفع فيه الرايات لأصحاب السواعد النظيفة والأفكار الجريئة.
إنها معركة اقتصاد لا تقبل التردد. معركة لا يُراهن فيها إلا على شباب هذا الوطن، الذي طالما أثبتت الأيام أن في عقولهم ما يكفي من نباهة، وفي أيديهم ما يكفي من أمانة، ليقودوا الجزائر إلى حيث تستحق.
نعم، لا مكان بعد اليوم لمن يحنُّ لعهد الصفقات المشبوهة، ولا لمن يرى الجزائر إلا بلون السواد. فالوطن الذي اقتصد مليارًا و200 مليون دولار في سنة واحدة، وحقق اكتفاءً بـ81% من قمح الصلب، وأوقف نزيف 60 مليار دولار من الاستيراد، لن تقف أمامه حفنة من المضاربين.
هي معركة شرف اقتصادي.. معركة وطنية بامتياز. ومن لا يجد لنفسه فيها مكانًا على الجانب المضيء من تاريخ الجزائر، فالأفضل له أن ينسحب بصمت.
محمد لمين مغنين