في صحراء الجزائر، وعلى بعد 600 كيلومتر جنوب العاصمة، تقع منطقة “وادي ميزاب”، تلك الواحة الساحرة التي تضم خمس مدن محصّنة، أو ما يعرف بـ “القصور”، التي أسسها المزابيون منذ قرون، لتشكل تحفة معمارية فريدة من نوعها، وتراثًا عالميًا يستحق الزيارة.
تعود جذور المزابيين إلى منطقة الشمال الغربي لأفريقيا، والتي كانت تعرف قديمًا بـ “المغرب الكبير”، وعاصمتها “تاهيرت” أو “تيارت” الجزائرية، وبعد تدمير تاهيرت، هاجر المزابيون واستقروا في وادي ميزاب، حيث شيدوا مدنهم المحصنة، وبنوا قلاعًا صغيرة محاطة بأسوار شاهقة، تتوسطها المساجد والمآذن التي تشبه أبراج المراقبة ، وتتكون منطقة وادي مزاب من خمس مدن محصّنة،
هي: غرداية، والملكية، وبني يزقن، وبونورة، والعطوف، وقد بنيت جميعها على هضبة، فتميزت بتصميمها المعماري الفريد، حيث تتكون من مجموعة من الأبنية المربعة الشكل، والمتعددة الألوان، والتي تفصل بينها ممرات ضيقة مغطاة في الغالب، فتعد “مدينة غرداية” العاصمة الأساسية لوادي ميزاب، بينما تعتبر “مدينة العطوف” الأقدم، فيما تتميز “مدينة بني يزقن” بكونها الأكثر غموضًا، لما تحتويه من قصور مقدسة، ويتميز التصميم الهندسي المعماري لمزاب بالبساطة والعملية، والتكيف التام مع البيئة المحيطة، حيث يهدف إلى الحفاظ على العيش المشترك بين السكان في جماعة، مع احترام الروابط الأسرية.
من الجدير بالذكر أن “وادي ميزاب” يتميز بنظام ري مبتكر يعتمد على شبكة سواقي دقيقة تنقل المياه من الآبار إلى الواحات، حيث يتم توزيع المياه بالتساوي بين البساتين عبر فتحات محددة الحجم، كما تشتهر المنطقة بحرف يدوية أصيلة، مثل صناعة الزرابي والسجاد الصوفي، بالإضافة إلى الملابس التقليدية كالقشابية والبرنوص، كما تزخر المنطقة بحرف أخرى كالنحاس والفخار والجلود، وتعد منطقة وادي مزاب وجهة سياحية مميزة، تجذب إليها السياح من مختلف أنحاء العالم، وذلك لما تتميز به من تاريخ عريق، وتراث ثقافي فريد، وطبيعة ساحرة.
ويمكننا القول أن، وادي ميزاب ليس مجرد مكان بل هو قصة حضارة ونموذج للتعايش مع الطبيعة، فمنذ تصنيفه كتراث عالمي في عام 1982، اتخذت السلطات الجزائرية إجراءات متعددة للحفاظ على التراث ولتعزيز السياحة في المنطقة،وشملت هذه الإجراءات ترميم نحو 100 معلم تاريخي، بالإضافة إلى ترميم أكثر من 3000 مسكن قديم، أسواق، معالم جنائزية،ومساجد، كما تم بناء “قصر تافيلالت”الجديد كمثال على الحفاظ على التاريخ باستخدام مواد محلية وهندسة مستدامة، بالرغم من المجهودات المبذولة، مازال هذا التراث يواجه تهديدات من البناء العشوائي والتوسع العمراني، مما يستدعي جهودًا لحماية بساتين النخيل والمواقع الأثرية.