مع كل موسم رمضاني، ينتظر المشاهدون الأعمال الدرامية التي يفترض أن تعكس روح الإبداع والتجديد في المشهد التلفزيوني. لكن هذا العام، برزت ظاهرة مثيرة للجدل في كواليس الإنتاج التلفزيوني، حيث أصبح “السبونسور” (الشركات الداعمة للإنتاج) طرفًا مؤثرًا في عملية صناعة المسلسلات، ليس فقط من خلال التمويل، بل عبر التدخل المباشر في اختيار الممثلين، بل وأحيانًا في قرارات إخراجية كانت حتى وقت قريب تُعدّ “مقدسة” في يد المخرج.
من الإبداع إلى التسويق: دراما تحت الطلب
في ظل تزايد تكاليف الإنتاج التلفزيوني، أصبح تمويل المسلسلات يعتمد بشكل شبه كامل على عقود الإشهار والرعاية التي توفرها الشركات الكبرى، خاصة في قطاعات الاتصالات، المواد الغذائية، والسيارات. لكن المشكلة لا تكمن فقط في رعاية الأعمال، بل في تحول بعض هذه الشركات إلى جهات منتجة بالوكالة، تفرض شروطها على الطاقم الفني والتقني.
يتحدث بعض العاملين في المجال عن تدخلات صريحة من الممولين في اختيار الأبطال، حيث يتم فرض أسماء معينة بناءً على شعبيتها التجارية، بغض النظر عن ملاءمتها للدور. لم يعد الأمر مرتبطًا بالكفاءة الفنية أو برؤية المخرج، بل بمن يمتلك “الصيت الإعلاني” الأكبر، بعض المخرجين يجدون أنفسهم أمام خيارين: الرضوخ أو الإقصاء.
.
المشاهد في مواجهة الرداءة
في النهاية، يدفع المشاهد الثمن الأكبر، فمن كان ينتظر محتوى فنيًا راقيًا يجد نفسه أمام إنتاجات تُبنى على حسابات تجارية لا تمتّ للإبداع بصلة، ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن بعض المسلسلات استطاعت أن تحافظ على توازن معين بين المتطلبات التجارية والجودة الفنية، لكنها تبقى الاستثناء في مشهد بات يغلب عليه التسويق أكثر من الفن.
الحل.. هل من بدائل؟
لمواجهة هذه الظاهرة، يحتاج المشهد التلفزيوني إلى إعادة التوازن بين رأس المال والإبداع، عبر:
وضع قوانين تنظيمية تحدّ من تدخل الممولين في قرارات المخرجين والمنتجين.
تنويع مصادر التمويل عبر البحث عن دعم ثقافي رسمي أو صناديق إنتاج مستقلة، بدل الاعتماد الكلي على الإشهار.
توعية الجمهور بخطورة هذه الظاهرة، لأن قوة المشاهد تكمن في خياراته، ورفضه للرداءة قد يكون العامل الأهم في فرض أعمال أكثر احترامًا لقواعد الفن.
ختامًا، يبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى ستستمر “دراما السبونسور” في الهيمنة على المشهد الفني؟ أم أن هناك أملًا في استعادة الدراما لمكانتها كفن مستقل بعيدًا عن الحسابات التسويقية؟ الأيام وحدها ستكشف لنا الإجابة.
محمد الطيب