هدم فيلا سالفادور كولي، شاهد على مدينة مغرقة في الرّداءة
حتى الشيطان لا يخرّب بيته
لم يمرّ خبر هدم فيلا سالفادور كولي بمدينة عنّابة من دون ممارستنا جميعا هواية البكاء على الأطلال، في بلد لا تحترم مؤسساتها الرسمية تاريخها ولا حاضرها، قد يعتبر هذا الاعتداء على ذاكرة المدينة وأهلها أمرا عاديا بوصفها قضية عقار متوارث آيل للانهيار قام أصحابه بهدمه، لكن بحث بسيط قد يضعنا أمام حقيقة واحدة: رداءة المسؤولين على الشّأن الثقافي والتي ستهدم كلّ شيء جميل بمدينة متروكة للقبح والشلليّة.
تناقلت وسائل الاعلام خبر إزالة بقايا الفيلا من الوجود باستياء كبير، الشيء الذي أخرج المسؤول الأول عن الثقافة في الجزائر عن صمته فصّرح الوزير بكل بساطة أنّ الفيلا مملوكة للخواص وقاموا بهدمها وأنّ الوزارة لا تملك أيّة صلاحيّة لمنعهم من الهدم، وبغضّ النظر عن نيّة ابعاد المسؤولية عن وزارة الثقافة ومصالحها المخولة بجرد وتصنيف الممتلكات والمباني، التي تكتسي طابعا أثريا مهما على عدّة أصعدة، فإن المسؤولية الحقيقية يتحملّها كاملة فريق عمل مديرية الثقافة بولاية عنّابة، مسؤولية التقاعس والرداءة ضد خدمة الفعل الثقافي بالولاية والحفاظ على الإرث المادي، هذا ما ذهب إليه جميع المختصين في هذا الشّأن من مهندسين معماريين وباحثين في التراث وجمعيات ثقافية.
تحفة شطّ المراسي المعمارية المطلّة على أجمل شواطئ عنّابة والتي يتناقل أبناء المدينة الاساطير حول تاريخها، هدمت وصارت أثرا بعد عين، بداعي أنّها لم تكن ضمن اهتمامات القائمين على شأن الثقافة محليّا، وعلى رأسهم السيد ادريس بوذيبة مدير الثقافة لولاية عنابة و الذي تجاوز سن التقاعد منذ أعوام مضت، فلهذا هي لم تكن ضمن قائمة المباني التي شملتها عملية جرد قام بها المختصون التابعون لوزارة الثقافة والذين اشتغلوا يدا بيد مع منظمات أوروبية بهدف الجرد والتصنيف ، لازال الناس ببونة يتناقلون الأساطير و الحكايات عن البيت المسكون بالأشباح الليلية وعن نظرات التوجس والخوف التي مازلنا نحملها بالأمس القريب ونحن صغار، عند الاقتراب من اسوار البيت الأندلسي الذي يحاكي سحر المعمار بمدينة قرطبة على أيّام الاندلسيين لكن وا خسارتاه الأشباح الادمية صارت أكثر خطورة من تلك التي يحملها الناس في مخيالهم الشعبي .
بالمقارنة بالولايات المجاورة التي قطعت فرق الجرد والتصنيف فيها أشواطا كبيرة، حفاظا على الإرث المعماري فإن حصيلة عنّابة تعدّ هزيلة جدّا، وقد يصدم المتتبع لهذه القضية بالفروق بين فرق عمل مديريات الثقافة والتفاوت الشّاسع بين من يعمل بجدّ للصالح العام وبين من ينتظر ويتقاعس، فبولاية سكيكدة على سبيل المثال تمّ تصنيف حوال ستّين معلما فيما تقبع عنّابة وفريق المختصين التابع لمديرية الثقافة بها لم ينخرطوا بجد في مشروع تويزة المقرر بالشراكة بين وزارة الثقافة الجزائرية والاتحاد الأوروبي، له\ا تقبع عنابة في ذيل ترتيب عملية التصنيف الوطني بسبعة معالم وبنايات أثريّة، والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن كلّ غيور على تراث مدينته هو التالي: ما الذي كان يفعله هؤلاء طيلة كل هذه الفترة؟ ما دور مدير الثقافة للولاية في حالة التخبط هذه؟ علما انه يشغل المنصب منذ أكثر من عشر سنوات، ما هي حصيلة عهدتين من تسيير شؤون الثقافة بالمدينة؟ ما الذي كان يمنع من جرد وتصنيف البيت الموريسكي وغيره من المباني والمعالم التي تزخر بها مدينة بحجم عنابة والتي يفوق عددها حسب إحصاء أوّلي المائة؟
فضيحة إزالة الفيلا تذكّرنا بفضائح أخرى شهدها هذا المجال بعنابة أبرزها سرقة قناع الغورغون المصنوع من الرخام من متحف هيبون الاثري سنوات التسعينيات والتي عثر عليه بفيلا للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، والذي لازالت تفاصيل سرقته غير مكشوفة عدا التحجج بسنوات الإرهاب التي عرفتها البلاد حينذاك. ما يحيلنا للحديث أيضا عن المدينة الاثرية هيبون والتي لم تبح بكل أسرارها والتي تشهد اعتداءات يومية لأنها غير محمية وغير مسيجة بل اتخذها الناس مرتعا للممارسة الدعارة في ظل غياب سياسة واضحة لحمايتها، هذا دون الحديث عن مشروع الجسر الذي بني قبل سنوات فوق امتدادات للمدينة الرومانية.
برنامج تويزة هو أوّل قاعدة بيانات رقمية تعنى بجرد عام للممتلكات الاثرية الثقافية بالجزائر، عملية الجدر تفضي إلى التصنيف الذي يقع على عاتق مديريات الثقافة التي تعمل به.
هدم فيلا سالفادور كولي هي مثال واضح على ما آلت إليه الأمور بمدينة معروفة بفضائح مافيا العقار لتأتي هذه القضية لتأكّد تحالف شركاء أساسيين لا يريدون خيرا لعنابة، النفوذ، الجهل والرّداءة.
بقلم :ربيع خروف
كاتب وصحفي