منذ أن يَفلِقَ الله الإصباح إلى أن يَبسُطَ الليلَ على الأرض وحملة الاعتقالات التعسفية المسعورة تطال الجميع في الجزائر دون تهمة مُؤسسة ولا شُبهةَ مخالفةِ القانون إلا شُبهةَ الرأي المختلف،فلا الصحفيون في قاعات التحرير،ولا النشطاء السياسيون النزهاء في المكاتب،ولا الطلبة في الجامعة..لا الإسلامي ولا اللائكي ولا الحيادي،الجميع تساوى كأسنان المشط مع الفاسدين والمجرمين في سجن الحراش العتيق وغيره.
الخطير في هذا الواقع التراجيدي أمران لا ثالث لهما؛ فأما الأول هو أن سلسلة الاعتقالات غير القانونية للمدنيين صادرة بأوامر أو قرارات عسكريين حتى وإِن لم يكن هذا جهرا،فالجميع يعرف ماهية السلطة الفعلية في دول العالم الثالث، والمعنيون بالاعتقال هُم أشخاص يجمعهم نفس الرأي والرؤية لانتشال الوطن من الأزمة السياسية الراهنة بعد عشرين عاما من الحكم البوتفليقي الفاسد،وهذا يعني أن حربا ممنهجة قد انطلقت للعودة بنا إلى ضائقة الرأي الواحد في عهد الحزب الواحد،والتضحية كانت حتى بشخصيات طالما أحاطتها هالة مِن القدسية والوقار وكانت محط تقدير وإكبار مِن أمثال؛المجاهد الرائد “لخضر بورڨعة” والمفكر الدكتور “أحمد بن محمد” وو..مِن جانب آخر الأمر الخطير في مسألة الاعتقالات التعسفية هو حالة التبرير والتشفي في المعتقلين،إلى الحد الذي يقوم فيه البعض بالترويج لفكرة أن السبب الحقيقي وراء توقيفهم هو شراكة سرية بين هؤلاء النشطاء والمسؤولين السابقين الذين تم حبسهم بتهم الفساد وضرب المصالح الوطنية،لتكون الفضيحة صادمة حين تأكد أن التهم الموجهة للنشطاء في أغلبهم سببها المباشر منشورات بريئة على صفحات التواصل الاجتماعي لا تحمل أي بصمة إجرامية سوى بصمة القلق على مستقبل الأجيال في وطن يتهاوى اقتصاده ومستواه التعليمي والصحي وو..وتتصاعد فيه حدة الجدل الهوياتي العقيم الذي يهدد وحدة الشعب والتراب، والغريب والمُر في هذا الأمر هو أن أغلال الجور لم تطل أيادي تلك الغربان الناعقة بالخطاب العنصري التهديدي فعلا،لمجرد أنها غربان ناعقة في نفس تيار السلطة الحاكمة. ويبقى السبب غير المباشر وراء الاعتقالات انتقاميا، فالشاهد في الأمر أن التعامل مع الحراك كان سلميا ناعما في البداية اعتقادا مِن المتابعين أنه سينتهي بعد بضع أشهر، غير أن نَفَسَ الحراك كان أكثر طولا مِن عمر النظام الاستبدادي، وهذا ما تطلب استخدام سياسة الترهيب التقليدية.
إنه “الفسق السياسي” وإنها أوجز عبارة تصف هذه المرحلة العمرية المعقدة من الحياة السياسية للجزائر، وإذ كنا قد أطلقنا هذا الوصف على واحدة من الأصوات العنصرية المُضللة قبل أشهر، فإنه أنسب مصطلح سياسي جديد نطلقه على الوضع العام الراهن والمُحبط، مِن أهل الرداءة في زمن السياسي المحنك “عبد الحميد مهري” إلى أهل القُحب زمن بوتفليقة فمتى يبزغ فجر الشرفاء؟!
بقلم: فايزة سعد لعمامري