يعود الحديث عن الكتاب الديني أو التراثي بشدة خلال كل دورة لمعرض الجزائر الدولي للكتاب، ما هي أسباب الإقبال عليه و ما هي حدود المقرؤية فيه؟ و لماذا هذا الانشار و الاهتمام ؟ هل شهد الكتاب الديني تراجع في السنوات الأخيرة كيف و لماذا؟
أولا لابد من التذكير بأن الحديث عن الكتاب الديني رافق صعود الاسلام الحركي السياسي أو ما يسمى بالصحوة الاسلامية ،التي بدورها عرفت إنتشار في الأقطار العربية خلال ثمنينات القرن الماضي،فترة شهدت علاقات ديبلوماسية مميزة وشخصية بين رئيس الجمهورية السابق المرحوم شاذلي بن جديد والمملكة العربية السعودية، علاقات تجلت في حضور مكثف لدور النشر السعودية والتي سوقت للكتاب الديني السلفي الحنبلي.
كما إحتضنت الجزائر بعد الإستقلال الملتقيات الاسلامية الشهيرة، بدعم من الدولة حيث تم الترويج لتلك الملتقيات قبل وبعد إنعقادها، ومن جهة أخرى سرعت سياسة الانفتاح مع الحركات والشخصيات الاخوانية أو المحسوبة على الاخوان، مثل محمد الغزالي يوسف القرضاوي و غيرهما في إنتشار الكتاب الحركي بقوة ككتب سيد قطب ، حسن البنّا ، حسن الهضيبي ، سعيد حوى و غيرهم .
العامل الثاني هو المخيل الشعبي الذي يعتبر الكتاب الديني جالبا للبركة، والحماية الإلهية،حيث تكاد تجد في كل بيت تقريبا عنواين مثل موطأ إمام مالك ، تفسير القرآن لابن كثير ، رَيَّاض الصالحين أو قصص الأنبياء.
النقطة الاخرى التي ساهمت في ارتفاع الطلب على الكتاب الديني اذ نظرنا الى معدل سن الزبائن تقديريا بعد سنوات من العمل في ممجال الكتاب ،هو تقريبا ما بين ٢٥ ٣٠ سنة ،يشكل سوق الكتاب احدى نشاطات الاستهلاكية المفضلة لديهم ،كما أن أغلبهم و لاعتبارات عقائدية لا يشتغلون في القطاعات الحكومية بل ينشطون في قطاع الأعمال الحرة و التجارة الصغرى و المتوسطة التي تعطي لهم أريحية مالية مقارنة بفئات أخرى من موظفي قطاع العام أو الخاص محدودي الدخل .
يجب الإشارة هنا أيضا الى عامل أخر يرفع من حجم الطلب على الكتب الدينية، فاغلب الطلبيات تتوجه إلى عباءة مكتبات المساجد ، فإذا أخذنا تقريبا ٢ مساجد في حي متوسط الحجم يعني ٢ مكتبات على مستوى هذ القطر هو رقم لابأس به ، كما أن عملية التمويل تتم عبر تبرعات مالية مسجدية يكون فيها المواطن اكثر سخاء و عطاء فيما قد يتكفل رجل اعمال بدفع تكلفة الفاتورة مهما بلغ ثمنها ،تحت ترغيب الامام في العمل الصالح.
يضاف الى كل ذالك نقطة ذات أهية بالغة هي أن مقتني الكتاب الديني له إرادة في التكوين النفسي و الروحي وفق مضمون و محى الكتب التراثية التي تعيد أدبيات الاسلام العباسي أو حياة السلف الصالح التي تتطابق مع اُسلوب عيشه و و رغباته حياتية وتقريب الصورة الواقعية عبر الصفحات الصفراء لتلك المجلدات .
في الأخير يبقى مصير الكتاب الديني (تجاريا )مرهون بما يحدث في السعودية أهم الأقطاب في صناعة و توجيه و ترشيد هذ التخصص. فالإصلاحات المناهجية و التعليمية ستحدث مرجعات هامة في البنية الفقهية . و حتى منظومة الحديث النبوي ستعرف عملية مراجعة للنصوص كل هذا سيحدث تغيرات جذرية في سوق الكتاب الديني نفسه.
عمار لشموت