ممّا لا ريب فيه و لا يختلف عليه اثنان أن الجزائر تمر بمرحلة عصيبة جدا و تعايش أوضاعًا حرجة على كافة الأطر و المستويات في السياسة و الاقتصاد و الثقافة و التعليم حتّى أنّ البعض يصف المرحلة بزمن الإنحطاط ! وما يعيشه المجتمع الجزائري اليوم لا يعدو إلا أن يكون تحصيل حاصل لاستفحال الفساد من أعلى الهرم إلى أدناه و المشكل الجوهري بنظري لا يكمن في تفشي هذا الأخير بقدر ما يكمن في انعدام الوعي به من حيث السبب و التعاطي و النتيجة ، فلا تنتظر من مواطن لا يعي محلّه من هذا الوطن أن يقوم بخطوة إصلاحٍ واحدة لأنّه ببساطة يجهل ما له و ما عليه و ما يملك من إمكانيّة و سلطة قرار ، قد يكون هذا معقولاً جدًا بالنسبة لمن غُيّب وعيُه اجبارًا من خلال تشرّب مناهج تعليمية محدد و اعلام موجه نحو صوب معيّن دون ترك أيّ مساحة إشراك للتفكّر و التدبر ، فبالتالي أصبح المواطن الجزائري مُفرغًا من حسّ المواطنة و المسؤوليّة تجاه المجتمع و الوطن ككُل مُستبعدًا عن كل ما هو سياسيّ مهما كان مهمًا و مصيريًا ، و ليست سياسة الحكومة المسؤولةَ الوحيدة عما آل إليه الوضع المخزي للجزائري بل للنخبة دور هامّ للغاية في مآله. فالنخبة هي تلك المجموعة البارزة من الفئات المتفوقة والفاعلة في شتى مجالات الحياة السياسية، الثقافية، الإدارية، الاقتصادية و العلمية التي بقدرتها و فاعليتها يُفترض أن تستغل حضورها القوي للتأثير على الرأي العام و تشكيل الوعي المجتمعي و الرفع من كفاءة الفكر المواطناتي و الإستثمار في شخص المواطن بشكل عام فهي بهذا عبارة عن سلطة معنوية تملك من القدرة على التأثير و التوجيه ما لا تملكه سلطة أخرى ، ومن هنا يطرح السؤال نفسه؛ ما صنيعة النخبة في الجزائر ؟ و ما تأثيرها ؟ و ما محور طرحها ؟ و لعلّ الاجابة على هكذا أسئلة تستدعي استعراضًا لأهم المواضيع المتداولة بين ما يكنَّون نخبةً و أتباعهم ، فبداية من الصراع حول الأصول و الهوية بين متعصبٍ للأمازيغية و ناكرٍ لها و بين رافض للعروبة و معتزِ بها ، مرورًا بتأجيج الاختلافات الاديولوجيّة و تعزيز الصّدام بين أطرافها حيث أصبح الإسلاميّ فيها “غلامًا” و اللائكيّ فيها “زوّافًا” ، و ليس هذا فحسب فقد دفع بهم فراغ الحاضر للتنبيش في أحداث الماضي فأخذوا يقصون شخصيات تاريخية تارةً و يخونونها تارةً أُخرى و يضعون هالة المجد لمن وافقوه و راقهُم و ينتزعونها ممّن خالفوه ، بل تعدّت المسألة الشخوص لتتناول المدن و المناطق من منظور تاريخيّ أعوج فهذا ينسب بركة الثورة التحريرية لمدينته الشرقية و آخر يقصي منطقة برمّتها من المشاركة في تحرير الجزائر لأنها مسقط رأس فلانٍ و فلان و آخر ينعت أهل منطقة بأكملها بـ “الحركى و الزواف” بمنطق عنصريٍّ محض و رغبة دفينة في التشتت ! ثمّ ماذا بعد كلّ هذا الهراء ؟ هل سيرفع هذا الطرح من وعي المواطن و يجعله يستشعر الدور المنوط به تجاه الوضع المزري ، هل سيجعله يفكر في حلولٍ اقتصادية و يضع رُؤيةً لما هو آتٍ و لو افتراضًا ، هل ستُحل أزمات الجزائر الاقتصادية و الاجتماعية و الأخلاقية ، هل سيقضي على الفساد و لو مُحاولةً ؟ طبعًا لا، لأنّ طرح النُخبويّ أو المثقف الجزائري لا يضع مستقبل الوطن ضمن أولوياته ، ولا يسعى لتحقيق فكرة مجتمعٍ قويّ يعيش حالة نًضج تجعله يتخطى صغائر الأمور و ترّهاتها ليتمكن من التفاهم و الاتفاق حول أهم القضايا الأساسيّة والمصيريّة و من ثمّ بناء أدوات عمل متفق عليها في سبيل تحقيق المصلحة العامة وتقديمها على المصالح الشخصية التي غالبًا ما يسعى أصحابها إلى تحقيق الفرقة و الشتات برغبةٍ و وعيٍ أو عن جهل . فما فائدة الدال قبل اللّقب و ما فائدة استعراض مقتنيات الكُتب و ما فائدة المقالات و المنتديات و خرجات الإعلام و اللقاءات و حشد “اللايكات” إن لم تعد بفائدةٍ واحدة على الوطن !
بقلم ريّـان بن براهم
تعليق واحد
نسأل الله تعالى العفو والعافية 🙁