مع حلول شهر رمضان المبارك، يتجدد السباق الدرامي بإنتاجات متنوعة، تتصدرها أعمال اجتماعية مشوّقة موجهة لجمهور الكبار. وبين مشاهد الإثارة والتشويق والدراما العميقة، يبرز حضور الأطفال كممثلين في أدوار رئيسية أو ثانوية، مما يطرح إشكالية جوهرية: ما تأثير هذه المشاركة على الأطفال نفسيًا واجتماعيًا؟
بين فرصة التألق وضغط الأضواء
لا شك أن مشاركة الأطفال في الأعمال الدرامية تمنحهم فرصة لتنمية مواهبهم، وتفتح لهم أبوابًا واسعة في عالم التمثيل. كما أن العمل مع ممثلين محترفين يثري تجربتهم الفنية، ويعزز ثقتهم بأنفسهم.
لكن في المقابل، يخضع هؤلاء الأطفال لضغوط تصوير مكثفة ولساعات عمل طويلة، مما قد يرهقهم جسديًا وعاطفيًا. فالتمثيل ليس مجرد لعب أمام الكاميرا، بل هو التزام مهني يتطلب الانضباط والانغماس في أدوار قد تكون عاطفيًا مرهقة، خاصة إذا كانت تتضمن مشاهد عنف، حزن، أو صراعات نفسية معقدة.
تأثير نفسي قد يدوم طويلًا
من أخطر التداعيات المحتملة لمشاركة الأطفال في الدراما الرمضانية هو التأثير النفسي العميق، خاصة عندما يجسد الطفل أدوارًا تتضمن معاناة أو مشاكل أسرية حادة. فقد يعاني الطفل من اضطراب في إدراك الواقع والخيال، مما قد يترك أثرًا نفسيًا طويل الأمد.
كما أن الشهرة المبكرة قد تضع الأطفال في موقف غير طبيعي، حيث يصبحون فجأة محط أنظار الجمهور ويتعرضون للانتقادات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما قد يؤثر على نموهم العاطفي وتقديرهم لذاتهم.
دراما الكبار.. هل هي بيئة مناسبة للأطفال؟
معظم المسلسلات الرمضانية موجهة للكبار، وتتطرق إلى مواضيع حساسة مثل العنف الأسري، الفساد، الخيانة، والصراعات الاجتماعية. في هذا السياق، يجد الطفل نفسه داخل بيئة درامية معقدة لا تتناسب مع سنه، حيث يُطلب منه تجسيد مشاعر تفوق إدراكه العاطفي.
هذا يثير تساؤلًا مهمًا: هل هذه التجربة تساهم في نضج الطفل وتطويره، أم أنها تحمله ما لا طاقة له به؟
نحو إنتاجات تراعي حقوق الطفل
أمام هذه الإشكاليات، يصبح من الضروري إعادة النظر في كيفية إشراك الأطفال في الدراما. يجب على القائمين على الإنتاج التلفزيوني مراعاة عدة عوامل، مثل:
الحد من ساعات التصوير بما يتناسب مع قدرات الطفل.
مراجعة السيناريوهات لضمان عدم تعريض الطفل لمشاهد قد تؤذيه نفسيًا.
توفير دعم نفسي للأطفال الممثلين، من خلال مختصين يساعدونهم على فهم أدوارهم والتعامل مع المشاهد العاطفية القوية.
تحديد العمر المناسب لكل دور، بحيث لا يتم تكليف الأطفال بأدوار لا تتناسب مع نضجهم العاطفي.
بين الفرصة والتحدي
بين الفرصة والتحدي، تبقى مشاركة الأطفال في الدراما الرمضانية سلاحًا ذا حدين. فبينما تمنحهم التجربة الفنية فرصة للنمو والتألق، قد تعرّضهم في المقابل لضغوط نفسية غير محسوبة. لذا، من الضروري أن يتحمل صنّاع الدراما مسؤوليتهم الأخلاقية والمهنية تجاه هؤلاء الأطفال، لضمان بيئة عمل تحمي براءتهم، وتحافظ على توازنهم النفسي في رحلتهم نحو عالم التمثيل.
محمد الطيب