كان الموعد على الساعة العاشرة ليلا. بخطوات مهرولة التحقنا بالساحة المحاذية للمسرح الوطني في الوقت المحدد، لأنه تعودنا أنه في مثل هذه المواعيد يجب الالتزام بالوقت تحسبا لأي إجراءات ردعية . كانت الساحة تعج بالأشخاص، معظمهم وجوه معروفة ينتمون لنفس القطاع المهني، و أخرى معروفة لأننا نلتقي دائما في نفس المواعيد النضالية كلما نادى الواجب لذلك، سواء من المجتمع المدني أو مثلنا نحن، من الأحزاب السياسية المعارضة. الأغلبية الحاضرة كانوا ممثلين ومخرجين شباب من الجيل الجديد و صحفيين منتفضين ضد القرارات التعسفية الأخيرة لإيقاف حصص تلفزيونية جريئة وحجز زملاء صحفيين على ذمة التحقيق، و التضييق على حرية التعبير، و على الحريات الفردية و الحريات الجماعية.
الحقيقة، منذ أكثر من سنتين تكررت مثل هذه التجمعات و الاحتجاجات و في قطاعات مختلفة، و لكن، و رغم ايجابية هذه الحركية تبقى العملية كلها عبارة عن حلقات مبعثرة لم تلتئم بعد لتشكل سلسلة و لتثمن أكثر العمل المطبوع بالحس المدني. الغائب الأكبر هو التضامن بين مختلف هؤلاء الأطياف. إذا تظاهر الصحفيين يغيب المعلمون، وإذا تظاهر المعلمين، يغيب الممثلون،و إذا تظاهر الناس في الجنوب، يغيب أصحاب الشمال، و العكس صحيح، و إذا تظاهرت الأحزاب السياسية ينفر المجتمع المدني، و حدث ولا حرج عن الطلاب الغائبين تماما.
اليوم، يجب التفطن أنه لا يكفي التفرج بعيدا و الاعتقاد أن ما يحصل في قطاع ما لا يعني الجميع. يجب التوقف عن الإعتقاد أن كل هذه المشاكل قطاعية و التقوقع في زاوية حادة لا تفتئ أن تنكمش لتعود إلى نقطة الصفر. يجب التوقف بالاعتقاد أن العزوف عن السياسية هي موضة رائجة، و أنه يجب إبعاد السياسة عن الحياة اليومية و عن المطالبة بالحقوق. الأمور كلها مترابطة، و الإهتراء يعني كل أمور الحياة و تفاقم المشاكل سببه الأول أن النظام السياسي أصبح عبارة عن فوضى، و أن المشكل الأول الذي يجب حله هو المشكل السياسي الذي سببه أن صوت الشعب مصادر، و أن النظام أصبح مستبد زيادة عن اللزوم. إذا لم تلتئم كل عناصر المجتمع لتقول كفى لهذه الفوضى و كفى لهذا الطغيان، سوف يتم تفريق القضايا وتعرفون جيدا نتيجة سياسة فرق تسد.
اللقاء الأخيرللصحفيين و الممثلين لن يكون الاَخِر. كم جميل لو أننا ناضلنا جنبًا إلى جنبٍ، لو أننا التقينا في فضاء نطالب بحقوقنا من أجل أن نؤدي واجبنا أمام الوطن و أمام التاريخ. كم جميل لو أن المعلم يقف إلى جانب الطبيب، و الطبيب يعنى بانشغالات الصحفي، و العامل النشط يطالب بحقوق المتقاعد، والمواطن البسيط يحافظ على حقوق الأجيال القادمة، و الطالب يكون موجود في كل الفضاءات، و السياسي يحمل على عاتقه حمل هذه القضايا و مجابهة النظام من أجل التوقف عن العبث.
مشتاقة للقائكم، للقائنا كلنا، نحن من نشترك في حب هذا الوطن. نلتقي، نتشاور، نتعلم، نخطؤ ثم نصيب، نُسمع صوتنا، نبكي و نضحك، نغني و نحب، نقول أننا موجودين و أننا ننبض بالحياة،..
لنلتقي..