لا يختلف اثنان على أن كمال رزيق كان من بين أكثر الوزراء إثارة للجدل خلال فترة توليه وزارة التجارة. الوزير الذي أصبح اسمه مرتبطاً بـ”أزمة الحليب” و”أسعار المواد الغذائية”، وجد نفسه في مرمى الانتقادات والسخرية، حتى أصبح مادة شبه يومية على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وحتى في بعض منابر البرلمان.
ومع تصاعد الانتقادات، بدأ كثيرون يتحدثون عن “نهاية رزيق السياسية”، خصوصاً بعد مغادرته الوزارة، رغم أن خروجه لم يكن إقالةً تقليدية، بل انتقالاً نحو منصب في رئاسة الجمهورية، وهو ما فُهم على نطاق واسع كنوع من “الحفاظ على الرجل” ضمن دوائر القرار.
لكن المفاجأة جاءت مع التعديل الحكومي الأخير: كمال رزيق يعود من جديد إلى الحكومة، هذه المرة كوزير للتجارة الخارجية. عودة تحمل أكثر من دلالة، أهمها أن الرجل لا يزال يحظى بثقة دوائر صنع القرار، وأن الهجمات الإعلامية والانتقادات الشعبية، مهما كانت شرسة، لا تعني بالضرورة نهاية المسار السياسي لأي مسؤول.
واللافت في تلك الفترة، أن البرلمان الذي شن هجوماً لاذعاً على رزيق، لم يتحرك إلا بعد أن بدأت تلوح في الأفق مؤشرات سقوطه من على رأس وزارة التجارة. وكأن هذا البرلمان لا يتكلم إلا عندما يشعر أن الشخص المُستهدَف قد أصبح دون غطاء سياسي، أو عندما يتيقن أن ميزان القوى لم يعد لصالحه. وهذه ليست المرة الأولى التي يُظهر فيها البرلمان هذا النوع من “الانتهازية المؤسساتية”، فكم من ملف ظلّ صامتاً تجاهه، وكم من مسؤول ارتكب التجاوزات دون أن يجرؤ أحد على مساءلته، فقط لأنه “محمي”.
بل وأكثر من ذلك، لا ننسى مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، الذي تم التلويح به بقوة ثم أُعيد بسرعة إلى الدرج بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي للجزائر. فهل يا ترى سيُخرج من جديد اليوم بعد تدهور العلاقات الثنائية؟ أم أن المواقف تبقى دوماً رهينة التوازنات الظرفية، وليس المبادئ الثابتة؟
من الضروري أن نعود إلى بعض الحقائق: نعم، رزيق واجه أزمة الحليب، لكن الأزمة تم التحكم فيها، واليوم لا نرى تلك الطوابير التي كانت تغزو الشاشات والمنصات. نعم، أسعار بعض المواد شهدت اضطراباً، ولكنها لم تكن أزمة جزائرية فقط، بل كانت جزءاً من موجة عالمية تأثرت فيها أغلب الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.
كمال رزيق ليس ملاكاً، وهو ليس فوق النقد. له أخطاءه، ككل مسؤول، وككل إنسان. لكن تحويله إلى “كاريكاتير سياسي” كان فيه كثير من الظلم، خصوصاً من بعض الذين يدّعون الديمقراطية وحرية الرأي، لكنهم اختاروا الصمت أمام ممارسات مشبوهة لجهات خارجية تمس الوطن، فقط لأن هذه الجهات تملك جمهوراً أو تأثيراً عبر وسائل التواصل.
الدرس من هذه القصة ليس في الدفاع عن شخص رزيق بقدر ما هو دعوة إلى مراجعة طريقة تفكيرنا في الشأن العام. إلى متى نبقى أسرى ثقافة “الجلد”؟ إلى متى نُسخّر وقتنا في القيل والقال بدل أن ننشغل بما ينفعنا وينفع البلد؟
عودة رزيق قد لا تعجب البعض، وهذا حقهم. لكن الأهم اليوم هو أن نتحول من وضعية “المتفرّج الناقد” إلى وضعية “المشارك الفعّال”. كل واحد في موقعه، عليه أن يعمل، أن يُنتج، أن يقترح، لا أن يبقى حبيس الجدل العقيم.
السياسة لا تُدار بالشعارات، بل بالأرقام والنتائج. فلنترك الوقت يُثبت مدى قدرة رزيق، وغيره من الوزراء، على تحقيق الإضافة. أما نحن، فلنبدأ من أنفسنا، ولنُنجز بدل أن نُعلّق.
محمد لمين مغنين