يعود الباحث والأكاديمي الدكتور عبد الله مقلاتي، أستاذ التاريخ بجامعة المسيلة ومدير مخبر الدراسات والبحث في تاريخ الثورة الجزائرية، بكتاب جديد يحمل عنوان “جبهة أقصى الجنوب بمالي والنيجر ونشاطها الثوري بأدرار وتمنراست/ الحلقة المفقودة من تاريخ الثورة الجزائرية”.
وكما هو واضح من عنوانه، يسعى هذا العمل إلى تسليط الضوء على دور الجبهة الجنوبية في الثورة الجزائرية، وهو موضوع ظلّ يلفّه الغموض لسنوات طويلة.
جهد توثيقي لتاريخ منسيّ
يتميز هذا الكتاب بمنهجه الأكاديمي الصارم، حيث يعتمد الدكتور مقلاتي على مصادر متنوعة، تشمل وثائق الأرشيف الوطني الجزائري، لا سيما تقارير المجلس الوطني للثورة الجزائرية (1959-1960)، ومراسلات وزارة الخارجية وبعثات الحكومة الجزائرية المؤقتة، بالإضافة إلى وثائق محلية حصل عليها من عائلات وأفراد من ولايتي أدرار وتمنراست.
كما يعوّل الباحث على الشهادات الشفوية، سواء المدونة في المذكرات واليوميات أو التي استقاها عبر مقابلاته المباشرة مع الفاعلين التاريخيين.
هذا التنوع في المصادر يجعل من الكتاب إضافة نوعية للمكتبة التاريخية الجزائرية، خصوصًا في ظلّ قلة الدراسات التي تناولت الجبهة الجنوبية كفاعل أساسي في مسار الثورة، حيث تركزت معظم الأبحاث السابقة على جبهات الشمال والوسط.
الجبهة الجنوبية: بعد سياسي وعسكري في معركة التحرير
يكشف الكتاب عن الدور المحوري الذي لعبته الجبهة الجنوبية في تعزيز الثورة الجزائرية في المناطق الصحراوية، ليس فقط من خلال مجابهة السياسة الفرنسية الساعية إلى فصل الصحراء عن الجزائر، ولكن أيضًا عبر حماية الحدود الترابية للبلاد، وفتح المجال أمام سكان مناطق توات والعقار والجالية الجزائرية بمالي والنيجر للانخراط في الكفاح التحريري.
وبحسب المؤلف، لم يكن نشاط هذه الجبهة مقتصرًا على العمل العسكري، بل امتد إلى أدوار سياسية واستراتيجية مهمة، حيث ساهمت في تقوية علاقات الثورة الجزائرية مع الدول الإفريقية المجاورة، مما عزّز دعم القضية الجزائرية على المستوى الدولي.
أسئلة عالقة وإجابات منتظرة
يطرح الدكتور مقلاتي في هذا الكتاب عدة تساؤلات جوهرية حول ظروف نشأة الجبهة الجنوبية، ومهامها ومسؤولياتها، وطبيعة العمليات التي قامت بها، ومدى تأثيرها على مسار الثورة الجزائرية ككل.
ويحاول عبر دراسته التوثيقية الإجابة عن هذه التساؤلات، مقدّمًا صورة متكاملة عن هذا الفاعل الثوري الذي لم ينل نصيبه الكافي من الدراسة والتقدير.
إضافة نوعية إلى الدراسات التاريخية
لا شك أن هذا الكتاب يشكّل إضافة قيّمة إلى مجال البحث في تاريخ الثورة الجزائرية، خصوصًا أنه يعالج موضوعًا ظلّ مهمشًا لسنوات. كما أنه يأتي في سياق الجهود الأكاديمية الرامية إلى إعادة قراءة التاريخ الوطني بشكل أكثر شمولًا، بعيدًا عن الانتقائية أو الإغفال غير المبرر لبعض الجوانب.
بذلك، يضع الدكتور عبد الله مقلاتي لبنة جديدة في صرح التأريخ للثورة الجزائرية، مقدّمًا للقراء والباحثين مرجعًا مهمًا لفهم إحدى الحلقات المفقودة في مسيرة التحرير الوطني.
محمد الطيب