لم تكن روما وحدها من تركت بصمتها في هذه الأرض، ففي شمال شرق ولاية المسيلة، على بعد 30 كيلومترًا، تنام مدينة عريقة تحتضن بين جدرانها أسرارًا تحكي قصصًا من زمن مضى، قلعة بني حماد، العاصمة الأولى للحماديين، شاهدة على حضارة عظيمة ازدهرت في القرن الحادي عشر الميلادي.
تعتبر قلعة بني حماد، التي تأسست عام 1007 ميلاديًا، ثاني عاصمة لدولة مركزية في المغرب الأوسط بعد الدولة الرستمية، وتحديدًا لدولة بني حماد، في عهد “حماد بن بلكين بن زيري الصنهاجي”، وتقع القلعة على بعد 20 كيلومترًا شمال مدينة المسيلة، لتتألق قلعة بني حماد في العصور الوسطى كمركز حضاري مزدهر، حيث شيد بنو حماد قصورًا منيعة ومبانٍ عظيمة، كانت قلعة بني حماد مركزًا تجاريًا هامًا، حيث كانت الأسواق تعج بالحرفيين والتجار، وكانت الصناعات اليدوية مثل النسيج والفخار والزجاج مزدهرة،كما كانت الزراعة وتربية المواشي من الأنشطة الاقتصادية الرئيسية، مما جعلها مركزًا حيويًا للتجارة في المنطقة، وكان الموقع الذي اختاره “حماد بن بلكين” لبناء قلعته وعاصمة دولته مكانًا استراتيجيًا، ساعد على بقاء القلعة بعيدةً عن المخاطر والهجمات من قبل القبائل والقوى المعادية، من خلال جملة من التضاريس الوعرة التي صعبت اختراقها، فقد وصفها ابن الأثير بأنها “من أحصن القلاع وأعلاها، لا ترام على رأس جبل شاهق”.
إن اختيار هذا المكان ليكون عاصمة للدولة الحمادية لم يكن من باب الصدفة وإنمّا تمّ بناءا على معطيات استراتيجية شديدة الأهمية بمفهوم ذلك الزمان كان أساسها الأول البعد العسكري، فقد كان يحد القلعة من الغرب هضبة قوراية، ومن الشرق شعاب وادي فرج، وقد وضع للقلعة ثلاثة أبواب، باب الأقواس وباب جراوة وباب الجنان، ويحيط بالقلعة سور عظيم مبني بطريقة مذهلة وبالحجارة المسننة المستخرجة من جبل تيقريست، كما تميزت بعمارتها الإسلامية الفريدة، حيث تضم قصورًا فخمة ومساجد مزخرفة وحمامات عامة، ومن أبرز معالمها قصر المنار ومسجد القلعة الكبير، اللذان يعكسان براعة الفنانين والمعماريين في تلك الحقبة،كما عمد “حماد بن بلكين” مؤسس الدولة إلى إقامة عاصمته قلعة بني حماد بالقرب من سوق حمزة المشهور بهدف جعل حياة الناس سهلة داخلها وقد حقّقت هذه المدينة صفة كان من النادر أن تحقّقها المدن في ذلك الوقت وهي صفة التعايش بين جميع الطوائف والأعراق المختلفة.
تم تسجيل هذه القلعة في قائمة التراث العالمي لليونسكو سنة 1980، كما دعا ممثل ديوان قلعة بني حماد في ذكرى ألفية تأسيس قلعة بني حماد، إلى مواصلة الحفريات فلم يُكتشف من قلعة بني حماد، سوى 20% بينما لا يزال 80% من هذه القلعة مخفيا لحد الآن، فهي مازالت غير مُكتشفة ومدفونة تحت الأرض، وفي هذا الصدد بذلت الحكومة الجزائرية جهودًا كبيرة للحفاظ على قلعة بني حماد وترميمها، وذلك من خلال مشاريع ترميم وتأهيل تهدف إلى الحفاظ على هذا التراث الثقافي الهام للأجيال القادمة، وتوعية الجمهور بأهميته التاريخية، خاصة وأنه أصبح وجهة الكثير من السياح.
عمراني ضحى