أثارت قضية دار نشر تديرها شابة عشرينية جدلاً واسعاً في الأوساط الأدبية والثقافية، بعد توالي شكاوى عدد من المؤلفين الذين اتهموا الدار بالاحتيال والنصب في معاملات نشر وطباعة كتبهم.
لكن ما يميز هذه القضية ليس فقط تفاصيلها، بل طبيعتها المركبة التي تُظهر تداخل المسؤوليات بين ناشرة تفتقر للمهنية، وكتّاب انجرفوا خلف وعود النشر السريع والتكلفة المنخفضة.
في رسالة تداولها رواد المنصات الاجتماعية، تساءل أحد المتابعين عن جدوى التعاقد مع دار تفتقد لأدنى مقومات النشر المهني، معتبراً أن الضحايا في هذه القضية “ضحايا لطمعهم واستهتارهم بمهنة الكتابة قبل أن يكونوا ضحايا احتيال”.
ويرى أن التعامل مع دار تقدم خدمات النشر بأسعار غير منطقية لا يغتفر لكاتب يُفترض فيه إدراك الكلفة الحقيقية لهذا المجال.
وتضمنت الرسالة أمثلة لأشخاص اختاروا التعامل مع هذه الدار لأنها عرضت عليهم طباعة أعمالهم بمبالغ زهيدة جداً، تقلّ أحياناً عن نصف السعر الذي تطلبه دور نشر محترفة. ويشير صاحب الرسالة إلى أن هذا الانجذاب نحو العروض الرخيصة، دون التحقق من السمعة أو شروط التعاقد، يمثل استخفافاً بمفهوم النشر وقيمة الكتاب.
وجاء في الرسالة أيضاً: “هل من المنطقي أن يقبل أكاديمي مخضرم عرضاً من ناشرة في بداية العشرينيات، لطباعة عمل علمي بسعر لا يغطي حتى تكلفة الورق؟”، في إشارة إلى ما وصفه بـ”الانهيار الأخلاقي والمهني” في بعض أوساط الكتّاب الجدد.
ورغم تعدد الشكاوى، لا تزال هذه الدار تنظم مسابقات أدبية وتنشط عبر وسائل التواصل، وتحظى بتفاعل عدد غير قليل من المتابعين، ما يكشف عن استمرار دورة “النشر المغري”، التي تستقطب كتّاباً يبحثون عن اختصار الطريق نحو لقب “كاتب”، حتى وإن كان ذلك على حساب الجودة أو المهنية.
القضية، رغم وضوح طابعها الاحتيالي، تفتح نقاشاً أعمق حول واقع النشر في الجزائر، وحاجة الكتّاب، خاصة الشباب منهم، إلى التكوين والوعي بمهنية القطاع، مع ضرورة سنّ آليات لحمايتهم من التجارب الوهمية، دون إعفائهم من مسؤولياتهم الأخلاقية في اختيار الجهة التي تمثل أعمالهم الفكرية.
وفي انتظار تحرك الجهات المعنية، تبدو الرسالة الأهم في هذه القضية دعوة صريحة إلى إعادة الاعتبار للكتاب، والنظر إلى النشر كفعل ثقافي جاد، لا كصفقة تجارية سريعة.
محمد الطيب