من منا لم يختبر شعور الانتظار، سواء كان ذلك في البلدية، الميترو، أو حتى دوره للدخول لأحد المراحيض العمومية، وراءك دافع يلح عليك، وأمامك هدفك التي تصبو الوصول له، وبينما أنت بينهما رفقة الدقائق التي تنكرت بزي الساعات، تخرج من ثنايا روحك منول الحكي، لتقول لضياع الانتظار إنك مررت عبره مرارا وتكرارا، ولتخبر الوقت والدقائق، أنك تعرف حقيقتها، وأنك ستمررها رغما عن أنفها.
ولأن الصحافة الحقة ، لا تعترف بحدود الزمان والمكان، فقد ارتحلت أذن “الطريق نيوز” لمطار القاهرة، دون تأشيرة، متستبدلة مقعد الطائرة الفاخر، بكرسي الانتظار في الأروقة، وهناك تعرفت على “رشيد”، شاب جزائري من مئات الشباب الذين حاولوا الالتحاق بـ “قافلة النصرة”.
نزلنا مصر الخميس الماضي، يقول لنا رشيد، ونحن بذلك سبقنا القافلة بحوالي الأسبوع، ومكثنا عند بعض الأصدقاء السوريين بالقاهرة، في انتظار التحاق “الإخوة” بنا بغرض الذهاب لمعبر رفح، أثناء هذه المرحلة، تم إيقافنا من طرف رجال الشرطة والمخابرات ثلاث مرات، وكانت الإجراءات مشددة، أين سحبت منا جوزات سفرنا، واستجوبنا عن سبب زيارتنا مصر، لم نرد الكشف عن السبب الحقيقي تخوفا من الاحتجاز، قلنا لهم إننا هنا بغرض السياحة والعمل لا غير، لذا أطلق سراحنا بعد ساعتين فقط من التحقيق.
لنا أصدقاء تم إلقاء القبض عليهم من الفنادق مباشرة، بينما الذين أتوا في الطائرات على شكل مجموعات، فقد تم القبض عليهم من المطار مباشرة، أين تم حجزهم في غرفة جد ضيقة وفي أوضاع غير إنسانية.
هامش، انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، صورة لشاب جزائري وهو مستلقي داخل مطار القاهرة، يبدو أنه تعرض للاعتداء من طرف الشرطة المصرية، الصورة وضعها “يونس موسوني” الذي كان ضمن المحتجزين في المطار، وكتب:
” البارحة لولا ستر الله كنا جميعا بمثل هذه الحالة، كيف لا وقد تم استدعاء القوات المصرية الخاصة لمجموعة من المسافرين العزل؟”
ثم قال:
“هذه الصورة لأحد إخواننا الجزائريين الذين تم احتجازهم بصفة تعسفية والتعدي عليهم بالضرب”.
وأتبع:
“الصراخ في الوجه والتهديد الدائم هو الرد على أسئلتنا الطبيعية ( لماذا نحن هنا؟ نريد هواتفنا ؟؟ هل هذا احتجاز تعسفي؟ .. أين حقنا في الأكل وأدنى شروط المكوث؟ …)
يكمل رشيد، كل من كان يرتدي الكوفية الفلسطينية، أو يحملها في متاعه، أو يبرز أي شكل من أشكال التضامن مع القضية الفلسطينية كان عرضة للتحقيق والاحتجاز، وظروف الاحتجاز لوحدها كانت منهكة نفسيا، قد تبدو ساعة أو ساعتان أمرا مدة قصيرة، لكن ظروف الاحتجاز كانت تجعلها أطول بكثير.
الإجراءات الأمنية في مصر كانت جد مشددة، الحواجز الأمنية في كل مكان، خاصة في منطقة “شرم الشيخ” و “قناة السويس”، وهذان المنطقتان تبدوان حرفيا كأنهما مناطق “حرب” خاصة برا، وهناك من الرفاق الذين سافروا لشرم الشيخ جوا، قال لنا إنه تعرض للتحقيق لمدة ساعتين كاملتين في المطار.
ومن يريد عبور منطقة “سيناء” يجب أن يمتلك تصريحا أمنيا رفيع المتسوى، أو حجزا في أحد الفنادق السياحية هناك، والأمر ليس مقتصرا فقط على الأجانب، بل حتى على المصريين أنفسهم، وأريد أن أؤكد أن الإجراءات جد صعبة خاصة بالنسبة للجزائريين والتونسيين على وجه الخصوص.
قبل قليل، تم ترحيل المجموعة الأولى من الملتحقين بالقافلة على متن الطائرة، ومن المتوقع أن يتم ترحيل الـ 40 محتجزا الذين ذكرت أوضاعهم سابقا في الطائرة الموالية، بينما نحن وكما ترى ننتظر حجز تذكرة، وغالب الظن أن مطار القاهرة سيبقي علينا في ضيافته الكريمة هذه الليلة.
وتبقى القصة شأنها شأن القضية، مفتوحة، لا لتعدد التأويل، فالحق بين والباطل بين وبينهما متشبهات لا يعلمهن الكثير من حكام العرب، وبينما تبقى الحدود ـ على عكس القصة والقضية ـ مغلقة في وجه رغبة الشعوب، يستمر البحث عن أساليب بديلة لفك الحصار عن غزة وعن الإنسانية التي شارفت على الاضمحلال.
محمـد الطيـب