الطريق نيوز، تعيش فرنسا اليوم حالة من الكساد الاقتصادي والفشل السياسي والدبلوماسي منقطع النظير، وربما يعود ذلك لعدة عوامل، أبرزها الانجراف وراء سياسة اللاعقلانية في التعامل مع بعض المشاكل، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو الخارجي.
فمنذ مظاهرات “السترات الصفراء” وصولاً إلى أزمة الفلاحين، لم تستطع الحكومة الفرنسية احتواء هذه الأزمات، التي تعتبر ذات طابع اجتماعي ومعيشي، وذلك بسبب عدم وجود بدائل سياسية واقتصادية يمكن من خلالها تحقيق نوعًا من الاتزان.
فحكومات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ عهدته الأولى لم ترقَ إلى تطلعات الشعب الفرنسي، الذي أصبح عاجزًا عن تأمين أساسيات المعيشة اليوم، وهو ما تم التعبير عنه خلال زيارات ماكرون إلى بعض المناطق الفرنسية، حيث عبر العديد من الحضور عن استيائهم من السياسات الاقتصادية التي تعاني منها فرنسا، والتي تُعتبر هذه الفترة من أسوأ الفترات التي مرت بها البلاد منذ قبل الثورة الصناعية، التي جعلت من أوروبا في ذلك الحين نقطة تحول نحو التطور والتقدم.
لكن ها نحن اليوم نلاحظ أن بوادر الانحطاط الثقافي، السياسي، الاقتصادي، وحتى الديني، كلها تجتمع في فرنسا اليوم، والتي ستعجل لا محالة في إعادة دورة الحضارة التي تعد من أهم نقاط منطلقاتها هو الكساد والخمول على كل الأصعدة.
ففي أفريقيا مثلاً وخاصة منطقة الساحل، الكثير من الملاحظين والمحليين السياسيين وحتى العسكريين ربطوا تراجع التأثير الفرنسي على أفريقيا بظهور قوى أخرى منافسة لها، ولو نلاحظ أكثر نجد بأن الإعلام العمومي أو الخاص في فرنسا أنجر إلى اجترار هذه التحليلات السطحية، أو لربما هي حجج تم طبخها داخل الغرف المظلمة في النظام الفرنسي من أجل تغطية ذلك الفقر الفكري الأيديولوجي لبعض ساسة فرنسا، والذين نلاحظهم في أكثر من مرة يحاولون تصدير أزماتهم الداخلية خارج النطاق الجغرافي لفرنسا، على شاكلة Xavier Driencourt و Bernard Emie و Nicolas Sarkozy وغيرهم.
لكن في الحقيقة المشكل أعمق من ذلك بكثير، وليس له ارتباط فقط بالتواجد الروسي أو الصيني أو التركي، بل هو مرتبط أساساً بالتشققات الحاصلة في أعلى هرم السلطة في فرنسا، والذي عبد الطريق أمام ظهور اليمين المتطرف الذي اقتنص الفرصة محاولا تقديم نفسه على أنه المنقذ لفرنسا الإمبريالية.
أيضاً، إن الفساد المالي والأخلاقي الذي وصلت إليه السياسة في فرنسا خاصة منذ فترة نيكولا ساركوزي وبالأخص مرحلة الرئيس الحالي ماكرون، والذي أصبح لديه امتدادات داخل القارة الأفريقية وآسيا، يُعتبر أيضاً من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تراجع الدور الفرنسي على الصعيدين المحلي والقاري. ضف إلى ذلك أن الأزمة الروسية الأوكرانية والاعتداء الصهيوني على قطاع غزة، قد ألقت بظلالها على فرنسا، حيث تلاشت كل الادعاءات الواهية المرتبطة بحقوق الإنسان وحرية الديانات وغيرها من الحريات الأساسية.
فاليوم هناك حملات عنصرية منقطعة النظير على كل ماهو مختلف عن الثقافة الغربية والفرنسية وخاصة ما له صلة بالإسلام، وما زاد من حدة هذا الواقع هو سن قوانين تعزز من العنصرية المقيتة، مما أدى وسيودي في قادم السنوات إلى هجرة عكسية من فرنسا إلى أفريقيا وآسيا، وحتى إلى جيرانها من الدول الأوروبية، والنتيجة الحتمية هي عزلة جيوسياسية وتضارب مصالح داخل القارة العجوز. فالانقسامات الحاصلة حالياً داخل مجموعة الناتو نتيجة الحرب على غزة، أفرزت تضاربًا في المصالح، خاصة بين أمريكا وحكومة ناتانياهو الذي اتخذ الآن فرنسا قاعدة خلفية من أجل فرض منطقته. وعليه، فإن مصير الحكومة الفرنسية أصبح رهينة التجاذبات والتقلبات داخل القوى النافذة داخل الناتو، واندثار الكيان سوف يؤدي حتمًا إلى زوال تأثير فرنسا الاستعمارية.
محمد لمين مغنين