حياة بين القهر والصمود
في غزة، حيث يضيع الزمن بين القصف والحصار، تتكثف الحكايات في وجوه أنهكها الألم، لكنها لم تفقد بريق الأمل. من الشمال إلى الجنوب، لا ماء ولا كهرباء، لا بيوت ولا أسواق، لا شوارع ولا حياة، لكن هناك من يعود إلى الخيام، وكأن النزوح أصبح قدَرًا دائمًا.
في شمال غزة، حيث أعلنت المنطقة “منكوبة بالكامل”، لم يعد هناك متسع للحياة، بل مجرد صراع من أجل البقاء. وبينما كانت بعض العائلات تحاول العودة، استمر المشهد ذاته: جثث تحت الركام، أرواحٌ لم تجد حتى وداعًا لائقًا، وآمال دفنت قبل أن تولد. بعد وقف إطلاق النار، تم انتشال 520 جثة من الشوارع والبيوت المدمرة، وكأن الموت كان ينتظر فرصة ليظهر بحجمه الكامل.
حياةٌ مسروقة.. وأحلامٌ مؤجلة
لم يكن الأسير إبراهيم حبيشة يدرك حين اُعتقل أن الحياة ستسرق منه عقودًا، ولن يدرك إلا بالأمس فقط أنه أصبح جدًّا، بعد أن خرج ليجد طفلته التي كانت في بطن أمها يوم اعتقاله قد أصبحت أمًّا. إنها غزة، حيث السنوات لا تمر مرور الكرام، بل تنحت في الوجوه أعمارًا من المعاناة.
وفي مشهد آخر، التقى الأسير المحرر علي نزال من قلقيلية بطفله لأول مرة، طفلٌ ولد من “النطف المهربة”، وهو أكبر دليل على أن الاحتلال قادر على سلب الحريات، لكنه عاجز عن منع الحياة من الاستمرار.
جريمة متجددة.. دماء لا تجف
لا تكاد تمر ساعة دون أن ترتكب مجزرة جديدة، وآخرها في جنين، حيث ارتقى عبد علاونة، الطفل الذي أُفرج عنه في صفقة التبادل الأولى مع بداية الحرب، لكنه لم يكن يعلم أن حريته ستكون قصيرة، وأن الموت كان يترصده مرة أخرى. الاحتلال، الذي لا يشبع من سفك الدماء، يعيد اعتقال الحياة نفسها، حتى بعد أن يمنحها فرصة للفرار.
غزة.. الحقيقة التي لا يجب أن تغيب
وسط كل هذا الدمار، وسط المدن التي تحولت إلى مقابر جماعية، هناك من لا يزال يقاوم، لا بالسلاح فقط، بل بالحياة نفسها. لا تتوقفوا عن الحديث عنهم، عن أولئك الذين أصبحوا أجدادًا قبل أن يكونوا آباء، عن الأمهات اللاتي يلدن تحت القصف، عن الأطفال الذين يكبرون بين الأنقاض، وعن الذين رحلوا قبل أن يكملوا أحلامهم.
غزة ليست مجرد مدينة، غزة حكاية يجب أن تُروى، وجرحٌ لا يجوز أن يُنسى.
بقلم محمد لمين مغنين