في مشهد مؤلم وصادم، تداولت منصات التواصل الاجتماعي فيديو لرجل ينهال بالضرب المبرح على طفل صغير داخل غرفة نوم، والطفل لا يقوى حتى على الدفاع عن نفسه. المشهد لم يكن تمثيلاً، ولم يكن مجرد لقطة عابرة، بل هو جرح مفتوح ينكأ وجدان كل من يؤمن بأن الطفولة يجب أن تكون ملاذاً آمناً لا ساحة تعذيب.
يتكرر هذا السيناريو في كثير من البيوت، بعيداً عن أعين القانون والمجتمع. يُبرر المعتدي تصرفه بأنه “تربية”، ويتوهم أن القسوة هي الطريق الوحيد “لتقويم السلوك”. بينما الحقيقة العلمية والإنسانية تقول: من يُربى على الضرب، يتعلم الكراهية لا الانضباط، العنف لا الاحترام، الخوف لا الفهم.
هذا الطفل، الذي يُضرب اليوم بوحشية، قد يكبر وهو يحمل داخله غصة، حقداً، وشرخاً نفسياً لا يُرى بالعين المجردة. وقد لا يُصبح مجرماً بالضرورة، لكنه بالتأكيد لن يكون سليماً نفسياً. كم من مراهقين اليوم انزلقوا إلى الإدمان، الجريمة، أو حتى الانتحار، فقط لأنهم لم يجدوا في طفولتهم من يفهمهم، يحتويهم، ويمنحهم الأمان؟
المؤسف أن الكثير من الناس عندما يرون الشاب المنحرف، ينهالون عليه باللوم والشتائم، وينسون أنه ربما لم يكن يوماً مجرماً، بل كان ضحية في بيته، حيث يُفترض أن يُحتضن لا يُعنف، يُربّى لا يُكسر.
وفي بعض المشاهد المأساوية، يعود هذا الطفل عندما يكبر إلى والده، لا ليشكره، بل ليصرخ في وجهه: “كرهتك!” فيُتهم بالعقوق، بينما ينسى الناس أن الأب كان أول من عقّه حين قتله نفسياً في عمر الزهور.
إننا اليوم في أمس الحاجة إلى وقفة ضمير، وإلى قوانين رادعة تحمي الأطفال من العنف الأسري، وتُحاسب كل من يتستر خلف كلمة “تربية” ليبرر جريمته. كما أننا بحاجة إلى حملات توعية مستمرة لتعليم أولياء الأمور معنى التربية السليمة:
التربية ليست ضرباً.. بل احتواء، ليست إذلالاً.. بل حوار، ليست تهديداً.. بل قدوة.
ختاماً، قبل أن نحاسب الأجيال الجديدة على ما أصبحوا عليه، دعونا نسأل أنفسنا بصدق:
ماذا فعلنا بهم حين كانوا أطفالاً؟