في خطوة انتظرها عشاق السينما والفن السابع لسنوات، استعادت بلدية عنابة رسمياً قاعتي العرض السينمائي “إفريقيا” و”أولمبيا”، وذلك تنفيذاً للمرسوم التنفيذي رقم 21-428، المتضمن إعادة إدراج القاعات السينمائية التابعة للبلديات ضمن الأملاك الخاصة للدولة وإسناد تسييرها لوزارة الثقافة والفنون.
العملية التي جرت تحت إشراف رئيس المجلس الشعبي البلدي، وبدعم من مصالح الأمن، تُعدّ لحظة محورية في مسار استعادة المدينة لذاكرتها السينمائية، خصوصاً وأن قاعتي “إفريقيا” و”أولمبيا” تحملان إرثاً ثقافياً ثرياً يعود إلى بدايات القرن العشرين، حين كانت عنابة واحدة من منارات الفن السابع في الجزائر.
الحاجة الملحة إلى الترميم العاجل
لكن فرحة الاسترجاع لا تكتمل دون المرور عبر محطة ضرورية: الترميم. فحال القاعتين اليوم يُجسّد سنوات من الإهمال، إذ تحولت معالمهما إلى أطلال، واندثر فيهما البريق الذي ميّز عروض الزمن الجميل. ويُجمع متابعو الشأن الثقافي المحلي على أن تأخر عمليات الترميم سيؤدي إلى مزيد من التدهور، وربما ضياع ما تبقى من ملامح معمارية أصيلة وأجهزة نادرة.
إن إطلاق ورشة استعجالية لترميم القاعتين، بإشراف مختصين في الترميم الثقافي والتقني، يُعدّ أولوية قصوى لضمان عودة القاعات إلى وظيفتها الأصلية، بل وتطويرها بما يتماشى مع متطلبات العروض السينمائية الحديثة.
عنابة بثقافتها… مدينة تنبض من جديد
حين تُفتح أبواب “إفريقيا” و”أولمبيا” مجدداً، ستكون عنابة على موعد مع ولادة جديدة. إذ يمكن تصوّر شارع “بن باديس” وهو ينبض بالحركة مساء كل يوم، ومئات الشباب والعائلات تتجه نحو عروض أفلام محلية ودولية، في إطار مهرجانات سينمائية منتظمة.
كما يمكن لهذه القاعات أن تتحول إلى فضاء حيوي لورشات السينما، وعروض الأفلام الوثائقية، ولقاءات مع المخرجين والممثلين، مما يعيد لعاصمة “بونة” مكانتها كمدينة ثقافية متوسطية بامتياز.
إن استرجاع القاعات ليس مجرد استرجاع لأملاك الدولة، بل هو استرجاع لذاكرة جماعية، ولروح مدنية كانت قد بهتت بفعل الإهمال. واليوم، ومع هذه الخطوة الأولى، فإن “الخير مازال للڨدام” فعلاً، إذا ما رافقتها إرادة سياسية وثقافية حقيقية لإنقاذ ما تبقى من صروحنا الثقافية.
محمد الطيب