في خطوة تعكس استجابة السلطة المستقلة لضبط السمعي البصري لشكاوى المشاهدين، تم اتخاذ إجراءات عقابية ضد عدد من القنوات التلفزيونية الخاصة بسبب الإفراط في الفواصل الإشهارية خلال شهر رمضان.
وشملت هذه العقوبات قنوات الشروق، الحياة، النهار، الباهية، والقناة الوطنية السادسة، التي بالغت في عرض الإعلانات، مما تسبب في إزعاج المشاهدين وتقليص متعة متابعة الأعمال الرمضانية.
الإشهار بين الحاجة الاقتصادية والانزعاج الجماهيري
لا شك أن الإشهار يمثل مصدر تمويل رئيسي للقنوات التلفزيونية، خاصة في شهر رمضان حيث ترتفع نسب المشاهدة، وتتهافت الشركات على حجز مساحات إعلانية.
لكن عندما يتحول الإعلان من كونه وسيلة دعم إلى عبء ثقيل يقطع تواصل المشاهد مع العمل الدرامي، يصبح الأمر محل انتقاد واسع.
هذا العام، بلغ التذمر الجماهيري ذروته، إذ تحولت بعض الفواصل الإشهارية إلى استراحات طويلة قد تتجاوز مدة الحلقة نفسها، مما جعل المتابعين يعيشون حالة من التشتت والملل، خاصة مع وجود إعلانات داخل المسلسلات تعرض منتجات لا تمت بصلة إلى بنية العمل الدرامي، ما يضعف الحبكة ويجعل الدراما تبدو وكأنها منصة لترويج المنتجات بدل تقديم محتوى فني متكامل.
بين الدراما والإشهار.. هل فقدت القنوات التوازن؟
لطالما كانت الإعلانات جزءًا من المنظومة الإعلامية، ولكن التوازن بين المحتوى الإعلاني والمادة الدرامية هو ما يحدد مدى نجاح القناة في جذب المشاهدين دون إزعاجهم. خلال رمضان 2025، بدا واضحًا أن بعض القنوات لم تراعِ هذا التوازن، حيث بات الإشهار يفرض نفسه بقوة تفوق قوة العمل الدرامي نفسه، مما جعل العديد من المشاهدين يعبرون عن استيائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل ويفضلون اللجوء إلى المنصات الرقمية لمشاهدة المسلسلات دون إعلانات.
قرارات الضبط.. هل ستكون رادعة؟
إجراءات السلطة المستقلة لضبط السمعي البصري جاءت كرد فعل على هذا الوضع، لكن يبقى السؤال: هل ستدفع هذه العقوبات القنوات إلى مراجعة استراتيجيتها الإعلانية؟ أم أن الحاجة إلى العائدات الإعلانية ستجعلها تواصل نفس النهج مع تعديلات طفيفة؟.
المشاهد الجزائري اليوم أصبح أكثر وعيًا وانتقائية، ولم يعد يقبل أن يكون رهينة لفواصل إعلانية غير مدروسة، وهو ما يفرض على القنوات التفكير في حلول توازن بين الحاجة الاقتصادية واحترام ذوق الجمهور، وإلا فإن خيار مقاطعة التلفزيون التقليدي سيبقى مطروحًا بقوة، لصالح منصات البث الرقمي التي تقدم محتوى دون إزعاج الإعلانات المطولة.
محمد الطيب