تحل اليوم ذكرى وفاة أحد أعمدة المسرح الجزائري، عبد القادر علولة، الذي ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن الرابع، من خلال جهوده في تطوير المسرح الشعبي وجعله أكثر ارتباطًا بالجمهور.
ورغم مرور سنوات على رحيله، لا يزال اسمه حاضرًا بقوة في الذاكرة المسرحية، ويظل السؤال قائمًا: هل تم استثمار تراث علولة لإثراء المشهد المسرحي الجزائري، أم أن إرثه الفني لا يزال بحاجة إلى إعادة اكتشاف؟
إحياء المسرح الشعبي: مشروع علولة المسرحي
ولد عبد القادر علولة في 8 ديسمبر 1939 بمدينة غليزان، وعُرف بمقاربته الفريدة للمسرح، حيث كان يؤمن بأن المسرح الشعبي هو الأداة المثلى للتواصل مع الجماهير، بعيدًا عن النخبوية والانغلاق الأكاديمي. لذلك، قام بتطوير أسلوب مسرحي قائم على الحلقة، مستلهمًا من التراث الجزائري والعربي، حيث يعتمد العرض المسرحي على التفاعل المباشر مع الجمهور، والبساطة في الطرح، مع الحفاظ على العمق الفكري.
من أبرز أعماله “القوال”، “الأجواد”، و”اللثام”، حيث استطاع من خلالها أن ينقل قضايا المجتمع بأسلوب نقدي ساخر، يُمكّن الجمهور من التأمل والتفكير دون أن يشعر بالملل أو النفور. وقد شكلت هذه الأعمال مدرسة قائمة بذاتها، تمزج بين التراث السردي الجزائري، والفكر التقدمي، والتجريب المسرحي.
المسرح الجزائري اليوم: أين إرث علولة؟
رغم الدور الريادي الذي لعبه عبد القادر علولة في إحياء المسرح الشعبي، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: إلى أي مدى تم استثمار هذا الإرث في تطوير المشهد المسرحي الجزائري؟
يواجه المسرح الجزائري اليوم تحديات عدة، أبرزها غياب الاستمرارية في المشاريع المسرحية، وابتعاد الجمهور عن المسرح، وعدم تبني التجديد في النصوص والأساليب المسرحية.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن المسرح الشعبي الذي نادى به علولة قد تراجع لصالح أنماط مسرحية أخرى أقل تفاعلًا مع الجمهور العريض.
كيف يمكن إعادة إحياء فكر علولة المسرحي؟
لا يزال المسرح الجزائري اليوم بحاجة إلى استثمار فكر عبد القادر علولة، الذي نجح في خلق نموذج مسرحي شعبي يتفاعل مع الجمهور ويعكس قضاياه اليومية، ولإعادة إحياء هذا الفكر المسرحي، لا بد من تبني رؤية متجددة تستند إلى أساليبه الإبداعية مع الأخذ بعين الاعتبار متغيرات العصر.
أحد أهم الخطوات في هذا السياق هو إعادة تقديم أعمال علولة برؤية معاصرة، بحيث يتم إنتاج عروض مسرحية جديدة تستلهم من نصوصه وأفكاره، لكن باستخدام تقنيات حديثة في الإخراج والتصميم البصري، لجذب الأجيال الجديدة التي اعتادت على أشكال فنية مختلفة، فالمسرح الشعبي لا يعني الجمود، بل هو فن متجدد قادر على التطور مع متطلبات كل عصر.
إلى جانب ذلك، ينبغي إدراج المسرح الشعبي في المناهج المسرحية، وتعليم الطلاب تقنيات الحلقة والمسرح التفاعلي التي برع فيها علولة. فمن خلال تكوين جيل جديد من المسرحيين القادرين على تقديم عروض قريبة من الجمهور، يمكن ضمان استمرار هذه المدرسة المسرحية وعدم اندثارها مع الوقت.
كما يمكن الاستفادة من الفضاءات المفتوحة، وتحويل الساحات العامة إلى منصات للعروض المسرحية، تمامًا كما فعل علولة، حيث كسر الحواجز بين الخشبة والجمهور. هذه الطريقة يمكن أن تسهم في إعادة إحياء المسرح كجزء من الحياة اليومية للناس، بدلًا من أن يظل محصورًا داخل قاعات المسارح التقليدية التي لا يرتادها سوى فئة محدودة من الجمهور.
من جهة أخرى، من الضروري تشجيع الكتابة المسرحية المستوحاة من التراث الجزائري، وذلك عبر ورشات ومسابقات تهدف إلى دعم النصوص التي تحمل روح المسرح الشعبي، وتتناول قضايا المجتمع بأسلوب بسيط لكنه عميق. فالمسرح الذي ينجح هو ذلك الذي يعكس هموم الناس، وهو ما كان يحرص عليه علولة في أعماله.
أخيرًا، لا يمكن الحديث عن إحياء فكر علولة دون دعم الفرق المسرحية الشابة التي تتبنى نهجه، عبر توفير تمويل لمشاريعها الفنية، وإتاحة فضاءات عرض مناسبة، وتمكينها من الوصول إلى الجمهور الواسع. فالحفاظ على المسرح الشعبي لا يمكن أن يكون مسؤولية فردية، بل هو مشروع ثقافي جماعي يتطلب دعم الدولة والمؤسسات الثقافية والمجتمع الفني.
إعادة إحياء فكر عبد القادر علولة ليست مجرد احتفاء بماضٍ مسرحي مجيد، بل هي فرصة لتطوير المسرح الجزائري، ليصبح أكثر قربًا من جمهوره وأكثر قدرة على التعبير عن همومه بأسلوب بسيط، لكنه ثري بالمضمون والجمال الفني.
محمد الطيب