بدءا من الأحد الفارط، انطلقت احتفالات عارمة عمّت عدة ولايات جزائرية، تخليدا لذكرى مرور عام على اندلاع شرارة حراك شعبي أسقط رئيسا جلس على كرسي الحكم لفترة دامت 20 سنة .
إزاحة عبد العزيز بوتفليقة عن رئاسة البلد جاء تحت ضغط الشارع ودخول الجيش على الخط مرجحا بذلك كفة الحراك على حساب الرئيس بعدما كان أداة طيّعة في يد بوتفليقة طوال أربع عهدات.
وما أيقظ غضب الشارع محاولة فرض عهدة خامسة لرئيس عاجز صحيا وذهنيا من قبل محيطه وبدعم من قادة الجيش عبر سعيهم إلى تمريرها بالقوة، في تحدٍ لإرادة الشعب .
وفي وقت كان يجري التحضير لعهدة رئاسية جديدة، كانت الجبهة الاجتماعية تغلي على نار هادئة إلى انفجر الشارع في 22 فبراير وكسر كل قيود الخوف.
ومن حينها، لم يتوقف مسلسل المسيرات الشعبية وواظب الجزائريون على الخروج كل جمعة، وغالبوا قوى خفية عملت على إضعافه، لولا صحوة الطلبة التي نفخت الروح في الحراك من جديد.
وعلى مدار 52 أسبوعا، رسم الشعب الجزائري صورة مغايرة لصورة نمطية ظلت تلاحقه لسنوات وقدم لشعوب العالم دروسا في التحضر و السلمية .
وظل الشعب على اختلاف انتماءاتهم السياسية متمسكا بمطالبهِ للمضي بالجزائر إلى مرحلة جديدة، أعقبه جدل وتباينت الرؤى وتفجر نقاش حقيقي في الإعلام والفضاء الافتراضي.
في خضم ذلك، اقتحم الجيش النقاش السياسي الدائر ، بصورة تتنافى مع مهامه، بهدف فرض تصوره لحل الأزمة بما يتماشى مع مطامح قيادته العليا.
بذلك، انتقل الجيش من دور الداعم إلى لعب دور المواجهة مع الشعب، كاد أن يجر البلد إلى مربع العنف ويدخلها في دوامة يصعب الخروج منها.
ومن وقت إلى آخر، كانت تقفز إلى سطح النقاش مسألة الهوية وشاع بشأنها الجدل حين ظهرت الراية الثقافية الأمازيغية في الحراك.
واهتزت مشاعر الجزائريين بتصريحات الجيش الناقمة على الراية الأمازيغية بحجة أنها تنافس العلم الوطني فتفاوتت آراؤهم بين مؤيد ومعارض.
وعلى ما يبدو أن تلك التصريحات كانت ترمي إلى تقسيم الشارع واستدراج فئة من الشعب إلى معسكر السلطة الفعلية في إطار خطة كان يجري الإعداد لها سلفا.
وما إن هدأت عاصفة الراية، حتى أقلعت “البادسية النوفمبرية ” وهي حركة افتراضية انخرط فيها فصيل من الحراك تموقعوا مع الجيش ونابوا عنه في شن حملات افتراضية على كل من يخالف مواقفه.
بالموازاة، وظف الجيش في معركته صفحات فايسبوكية ووسائل إعلام اصطلح على تسميتهم “ذباب إلكتروني” مهمتهم مهاجمة المعارضين زرع الفتنة باستخدام اللغة والعرق.
ربما كان يستحيل فهم ما كان يجري، غير أنه مع مرور الأيام تكشّفت نوايا الجيش واتضح أن هناك رئيسا خلف الستار كان يتأهب للانقضاض على السلطة.
لم يكن أكثر العارفين بخبايا النظام يتوقع أن يفتح الجيش جبهة عداء مع جزء من الشعب وينخرط في حملة اعتقالات مست جميع الفئات انتهت بالبعض في السجون.
وانصاع جهاز القضاء لأوامر الجيش بصورة تتعارض مع مبادئه، خلافا لما كان شائعا ساعتها بأن العدالة قد تحررت من سلطة الهاتف بعد انتفاضة القضاة ودعمهم لخيار الشعب.
وحتى فترة قريبة، مازال الجزائريون في حيرة عما إذا تحرر جهاز القضاء من الضغوط، فمن جهة سجن العصابة ومن جهة أخرى يقذف بشباب أبرياء في السجون بتهم وهمية.
انضوى تحت سقف هذه الحملة أيضا مثقفون وإعلاميون من خلال التعتيم على الحراك والحضور الدائم في وسائل الإعلام للحديث بلسان الجيش والدفاع عن خياراته للمرحلة القادمة.
هذا الكلام لا ينسحب على الجميع، فثمة نخب من شتى المجالات رفضت أن تلبس بزّة العسكر، في حين فضل آخرون التزام الصمت، فلم نسمع لهم موقفا من الأحداث .
هذا المسار، وإن كان يراه البعض سهلًا فهو مسار شائك خاضه الجزائريون بغير قليل من الصبر والحكمة في منازلة الذهنية العسكرية لاسترجاع الشرعية والقضاء والاقتصاد.
وبحلول العام الجاري، يبدو أن الحراك بدأ يستعيد زخمه بحماس مضاعف على ما كان عليه في البداية مع تمسكه بمطالبه وبسلميته .
وعلى درب أجدادهم الذي صنعوا أعظم ثورة تحريرية، وتأسيا بتضحياتهم، مازال الجزائريون يرابطون في الشوارع وتصدح حناجرهم بأن تحي الجزائر حرة ديمقراطية.
أيا يكن، فإن شعبًا رضع الكرامة من صدر امهاته وورث النضال عن الشهداء لن تتوقف مسيرته وهو ماضٍ في مسعاه الى أن تتحق الجمهورية المنشودة؛ “مدنية لا عسكرية”.