لازال حتى بعد عشرين عاما على موته يَعبُر الذاكرة الجزائرية عُبورَ الخالدِين لا عُبورَ المَنسِيِّين، وشاء القدر التاريخي أن تلتقي ذكرى اِغتيالِه مع الجمعة الأربعين للثورة النَّاعمة، لِيرفع الجزائريون صُوَّره في وجه ما تبقى مِن أعدائه وأعداء الوطن القَتلَة المَزروعِ بعضهم داخل النظام والبعض الآخر في الزنازين المُظلِمة، ذلك أنَّ سي “عبد القادر حشاني” كان رجل السياسة الحكيم في أكثر المراحل وحشية وقسوة على الجزائر المُستقلة.
بسذاجة أو غباء يتساءل البعض: مَن قَتل الدكتور “عبد القادر حشاني” وهو أكثر رجالات الفِيس رزانة بل وكان مشروعَ رجُل سياسةٍ عظيمٍ؟! لكن بالقليل مِن التأمُّل يُدرك المتابع هوية القاتل، فالذي سَفك دماء الجزائريين هو نفسه مَن سَفك أمل وأحلام الأجيال الجديدة على مدار السنوات الأخيرة، فالأمر يتعلق بمنظومةِ حُكمٍ يتناسل رموزها فيما بينهم منذ 1962 ويُوَرِّثون نفس العقلية الهمجية التقليدية ونفس الأفكار الغبية لخلائفهم إلى غاية يومنا هذا مِن القرن الواحد والعشرين.
سيتأكد ذلك للجميع بمجرد التأمَّل في تداخل المشاهد التاريخية وتشابهها مع تَغيُّر تفاصيل جانبية كالزمان والأجيال والأسلوب والظروف. .فالسلطة الحاكمة في الجزائر دائما تختار التصادم مع الشعب، فهي التي وقفت ضد الرغبة الشعبية في التسعينيات عندما أوقفت المسار الانتخابي، واليوم في 2019 اختارت كعادتها التصادم مع الرغبة الشعبية الرافضة للانتخابات في ظل رموز النظام البوتفليقي. والسلطة الحاكمة التي قامت بِمَسخ الحقيقة وتشويه أنصار استمرار المسار الانتخابي في التسعينيات مُستغِلَّةً أُحادية الإعلام، هي نفسها مَن تقوم بتشويه الرافضين للمسار الانتخابي في جزائر اليوم، غير أنَّ زمن أُحادية الإعلام والمعلومة قد وَلَّى ولا أحد يستطيع التجنّٓي على الحقيقة.
ومِن المُحاولات الفاشلة في تشويه الحراكيين الرافضين للانتخابات أن إحدى السيدات وقفت على الرصيف تحمل صورة مُرشحها، وهذه الطريقة في الترويج للمُرشحين غير مُعتادة أبدا، فهناك جدران مُخصصة للحملات الانتخابية يتم تعليق الصور عليها والترويج للمترشح، وهذا ما يؤكد أن هذه السيدة في أغلب الظن قد تكون مأجورة لاستفزاز الشارع وذلك ما حدث حين استطاعت استفزاز مجموعة مِن المارة قاموا بإهانتها لفظيا، لتنطلق تمثيلية الشهامة والتباكي على احترام حرية الآخرين، لكن في المُقابل نفس هؤلاء الذين استثمروا في مشهد السيدة وأدانوا ما سموه بالعنف ضد مُؤيدي الانتخابات مع رموز النظام البوتفليقي.. هُم أنفسهم مَن سكتوا سُكوت الشيطان الأخرس عن رجل يرفع سلاح الكلاشينكوف ويهدد الرافضين للانتخابات بالقتل صوتا وصورة، وقد تداول مستخدمو وسائط التواصل الاجتماعي صُوره في نفس ساعات تداول صُوَّر السيدة، والأشد نفاقا هو أن هؤلاء هُم أنفسهم مَن قادوا حملة التشفي في الطالبات الجامعيات المُعتقلات بسبب حراكهن وهُم أنفسهم مَن تَشَفَّى في صفع قاضية خلال الموجة الاحتجاجية للقُضاة في الأيام الماضية.
والمُؤلم أكثر هو خروج بعض الصحفيين والمُدونين البارزين للتنديد بِتعنيف المرأة في مقالات صحفية ومنشورات تفضح تناقضاتهم ونفاقهم ولم نسمع لهم صوتا حين اِعتُقِلت الطالبات وعُنِّفَت القاضية. . إنَّهم شياطين السلطة، ولربما ستكون مُهِمَّتهم القادمة شَيطنَةُ الحراكيين وتشويه سمعتهم مثلما فُعِلَ مع أنصار الفيس مِن قبل، وإنَّه أكثر وقتٍ يجب أن تعلو فيه أصواتُ إدانة العنف مِن طرف الجميع دون انتقائية وبدون دافع الاصطفاف، بحيث يدافع كل طرف عن حق الآخر في حرية تعبيره عن رأيه وموقفه، وليس هناك أفضل من قَول “فولتير” في هذا الموقف:” أنا لا أتفق معك لكني سأدافع عن حقك في حرية التعبير حتى الموت”.
بقلم: فايزة سعد لعمامري