تبدو “البطاح” المائية التي يمتطيها القادمون إلى جربة وهي تسير على مهل محمّلة بالسيارات والحافلات والراجلين .. كآخر حاجز يتهاوى ويكشف شيئا فشيئا جمال جزيرة ،كانت محجوبة عن أنظار السائح الجزائري.أول شيء يقابل القادم عن طريق هذا المعبر المائي هو الغياب التام للبنايات الشاهقة..فجمال جربة العمراني موغل في القدم والبساطة ،كلوحة أثرية تزداد قيمتها كلما دارت عليها السنين..فالألوان متجانسة وعلو الطوابق متناغم يوحي للناظر بأن جربة كلها دار واحدة معلّقة بين السماء والبحر ..في وسط رونق طبيعي عذري زادته لمسة الإنسان مسكة جمال..يذوب القادم إلى جربة مباشرة بعد أن يحط الرحال في رمالها البيضاء،حيث تتلقفه الجزيرة وتبعده بمهل عن ضوضاء المدينة،والعمل،والضغوطات…لتبوح له بأسرارها.
بعد الوصول
تتثاقل الخطوات نزولا من العبّارة البحرية لما رأته العين من سحر البحر ..نزلنا ومشت بنا الحافلة و الكل يتساءل عن سمرة في بشرة الخلق الموجود هنا ..والكل يجيب من العمران والمناخ أنك في الجنوب التونسي.
وصلنا إلى فندق “سان كوناكت” في قافلة اعلامية نظمتها وكالة “أريج تور للسياحة” و”حمبلي ترافل” بمعية كل من وكالة نيوسن التونسية وكذا الديوان السياحي الوطني بجزيرة جربة ،أين استقبلنا الجربيون بموسيقى تونسية شعبية أصيلة وبألبسة تحمل ألوان العلم التونسي ، فرق شعبية تشبه لحد ما الزرنة العاصمية أو “إذبالن” القبائلية..حيث إسترسل صاحب الفندق في شرح جذور الموسيقى التي ملأت الباحة حيوية ، لتمتزج النغمات مع رقصات أحد أعضاء الفرقة الذي كان يتمايل وفوق رأسه أكثر من جرة ،فمنذ اللحظات الأولى في الجزيرة ،وعند وصولنا إلى أول فندق بدأنا نعاين بأنفسنا بأن كرم وضيافة الجربيين يشبه إلى حد بعيد كرم سكان جنوبنا الجزائري الشاسع..فالتاريخ واحد..والبلد بالأمس كان واحدا..والجمال اليوم للجميع!
تتاح لزائر جزيرة جربة خيارات عدة في مجال الفندقة حيث أكد لنا مسيرو أهم الفاندق بأنهم سيبذلون كل ما بوسعهم من أجل “تقديم أحسن العروض وأقلها تكلفة لإقناع الجزائريين بالتوجه نحو جنوب تونس لإكتشاف جزيرة الأحلام” وعود وقفنا عليها وتأكدنا من صحتها في أكثر من محطة من قافلتنا الإعلامية…حيث تختلف العروض المقدمة من طرف الفنادق من خدمات فخمة عصرية مثل مانجده في سلسة “ابرو ستار” إلى خدمات مريحة في قالب وديكور عتيق محاط بنغامات جزائرية أصيلة كما هو الحال في فندق “المريديانا” …حيث تجد مختلف “الشهريات” ضالتها في جربة ..عكس ما يشاع بأن زوار الجزيرة محصورن في الطبقة الثرية…ولعل أكبر نقطة مشتركة بين فنادق جربة..هي شرفاتها التي تلامس رمال البحر.
الوجهة.. جزيرة التماسيح
صباح الغد وبعد ليلة مريحة في الفندق توجهنا إلى أحد المواقع التي لا يمكن لأي زائر لجربة أن يفوتها “جزيرة التماسيح” !
في طريقنا إلىها ظننا بأن الأمر يتعلق ببعض تماسيح تعرض أمامنا في برك صغيرة وإنتهى الأمر،لكن الحقيقة مختلفة تماما أولا من حيث الحجم حيث تضم الجزيرة التي أنشئت سنة 2002 مئات التماسيح من كل الأحجام والأعمار يشكلون نقطة جذب للسواح خاصة في فترات إطعامهم حيث يخيل للزائر أنه أمام أحد أشرطة “ناشيونال جيوقرافك” نظرا لقربه من أجسام التماسيح الضخمة التي تبين أجساد بعضها الممزقة بأن المعارك من أجل السلطة والاناث كانت شرسة.
يعتني عشرات المختصين بقاطني هذه الجزيرة وهذا من أجل توفير كل حاجيات التماسيح الذين يشكلون مصدر ربح حقيقي للمنطقة سواء بعدد السياح الذين يأتون خصيصا من أجل مشاهدتهم عن قرب أو حتى المختصين والمهتمين بعالم وحش البرمئيات.ونظرا للأعداد الهائلة من التماسيح التي تولد في الجزيرة ،عمد القائمون على تسيير هذا المركز الضخم إلى بيع المائات منهم لبلدان أخرى بما فيها الجزائر ،المغرب،وفرنسا.
وعند خورجنا من “جزيرة التماسيح”…صادفتنا نوافذ صغيرة شاهدنا من خلالها تماسيح صغيرة فقصت للتو ..منطلقة في أولى خطواتها في هذه الحياة..في حين واصلنا خطواتنا لإكتشاف المزيد مما تخبئه جزيرة جربة الساحرة.
فيديو
غير بعيد من جزيرة التماسيح قضينا وقتا ممتعا في التدقيق في مختلف التحف المعروضة في متحف “للا حضرية” الذي يزخر بمئات القطع الضاربة في عمق التاريخ التونسي أين تمازجت حضارات عدة ..من فينيقين ،ورومان،وبزينطيين،وحضارات إسلامية.
متحف للا حضرية
وجدنا في المتحف ،أبوابا عتيقة..شاهدة على عبقرية الحرفيين القدماء،كما استنطقنا العديد من السور و الأبيات الشعرية والطلاسم المكتوبة على الجلد و الخشب،كما وجدنا حروز كان يكتبها “الطالب” فوق ألبسة الأمراء كي تحميهم من العين.
يمنح المتحف فرصة حقيقية لإكتشاف ملبس ومأكل وحتى الأسلحة الحربية المختلفة لسكان تونس عبر القرون،والشيء المميز فيما عرض من تحف هي تنوعها وحالتها الجيدة التي تبين العناية البالغة التي تمنحها الشقيقة تونس لمتاحفها.
حومة السوق
بدون أدنى شك..تمثل محطة حومة السوق في جزيرة جربة..أحد أهم المعالم التي تنسيك تماما المراحل السابقة التي شاهدتها..حومة السوق..مكان إستطاع أن يتجنب أثار الزمن،كأن جدرانها وطرقها إختبأت أمام عاصفة السنين..فبقي وجهها صافيا من دون ندبات…نجد في حومة السوق التونسية..عبق الأحياء العتيقة فلو قلّبت حجرا في الطريق سيروي لك قصة المدينة الرومانية التي بينت فوقها حومة السوق،..ستحكي لك كراسي المقاهي ألاف القصص ..سيداعب أصوات باعة الأقمشة مسامعك..وهم يثنون على سلعهم الحريرية المزركشة..بنفس زركشة الماضي القادم من القرن 13 عشر تاريخ تشييد حومة السوق على أنقاض المدينة الرومانية التي منحت إسمها للجزيرة ككل..جربة!
نجد في حومة السوق مساجد وكنائس،نجد المسلمين والمسحيين واليهود، نجد العرب والبربر.. في توليفة تبين للعالم بأن التعايش ليس روايات وأساطير غابرة بل حقيقة يعانيه المسافر إلى جزيرة جربة…حيث تنتفي الحدود الفاصلة بين معتنيقي ديانات مختلفة..وتنهار الجدران التي تفرق بين الناس..ليذوب الجميع..في ديكور خلاب يرفض أن يدنسه..تكفير أو تهجير أو إقصاء.
جزيرة جربة بالأرقام
تقدم جزيرة جربة جربة رغم صغر مساحتها أرقام مذهلة حيث نجد فيها 135 وحدة فندقية وحوالي 85 إستضافة عائلية وإقامة ريفية،كما تحتوي عروس تونس على 23 مطعم سياحي،وعشرات المطعام المصنفة.حسب المعلومات التي قدمت لنا في عين المكان.
وبما أن لم نستطع الإحاطة بكل الأنشطة التي قد يزاولها القادم إلى جربة فسننقل لكم الأنشطة السيايحية المتوفرة في الجزيرة ونترك لكم مهمة اكتشافها…ففي جربة توجد 58قاعدة بحرية ،45 مركز تنشيط بالدرجات النارية،41 مركز الدواب،40 مركز علاج بالمياه العذبة بمواصفات علاجية وإستشفائية عالية وبطاقة إستيعاب معتبرة ،19 مركز معالجة بالبحر،6 قاعدة تزحلق بالأشرعة الطائرة،5 مراكز للغوص.2 قطارات سياحية،2 نوادي فروسية،2 بولينغ،كازينو،ملعب صولجان…كل هذا وغيره ينتظركم في جربة.
..هذا في حال ما قررتم السفر إلى جربة في الشتاء…أما صيفا..فبالإضافة إلى كل ما قيل من نشاطات ومناظر ومراكز عناية بالبشرة بمواصفات عالمية…تمنح لكم جزيرة جربة شواطئ رائعة.. غازلتنا مياهها في رحتلنا هذه…الشيئ الذي دفعنا لضرب موعد لزرقة مياه جربة في زيارتنا القادمة التي ستكون صيفية بكل تأكيد!
جعفر خلوفي