إعداد: كنزة خاطو
تواصَل الحراك الشعبي السلمي في الجزائر، لمدّة سنة كاملةٍ، لم يتوقّف فيها الحراكيون على رفع مطالبهم وبحّ أصواتهم في الشوارع، من أجل جزائر جديدة ودولة مدنية أساسها القانون، وغيرها من المطالب لم تتحقّق ولم تلقى آذانا صاغية من السلطة.
56 جمعة و56 ثلاثاء إضافة إلى أربعة مسيرات “تصعيدية” أيّام السبت، شهدتها الجزائر إلى أن بات وباء عالمي يهدّد حياة الأفراد في جميع أنحاء المعمورة.
يتساءلُ الكثير عن مصير الحراك الشعبي وهل توقّف نضال النشطاء في ظلّ حظر التجوّل وفرض الحجر الصحي الكلّي أو الجزئي على عددٍ من ولايات الوطن.
الحراك قرّر تعليق المسيرات وعياً منه بخطورة الوباء
كانت الجمعة الـ 56 آخر مسيرة شعبية، خرج فيها المتظاهرون إلى الشوارع، رافعين نفس مطالبِ ثورة فيفري السلمية.
ناقش يومها الحراك فكرة تعليق المسيرات، من أجل المصلحة العامة للبلاد والعباد، فكرة أحدثت جدلاً واسعا بين نشطاء الحراك والفاعلين فيه.
في النهاية تقرّر تعليق المسيرات، وبرهن الحراك الشعبي مرّة أخرى وعيه الكبير، وأنّ الحراك فكرة والفكرة لا تموت.
أين يلتقي الحراكيون ؟
لم تكن فكرة تعليق المسيرات سهلةً على الحراكيين، خاصة وأنّ التظاهر السلمي بات السبيل الأنجع، للضغط على أصحاب القرار في البلاد.
إلّا أن الحراكيين لم يتخلّوا عن مطالبهم، إذ يرفعونها يومياً على وسائط التواصل الاجتماعي، من خلال منشورات، صور وفيديوهات.
ينشرُ نشطاء كلّ سبت وجمعة وثلاثاء، صوراً وفيديوهات، على حسابتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل شعارات مرفوقة بهاشتاغ “الحراك متواصل”، “ماراناش حابسين بعد كورونا راجعين” وغيرها..
ويَنشُط رؤساء أحزاب ونشطاء سياسيون، على هذه المنصات، من خلال تقنية البثّ المُباشر أو بيانات ومنشورات حول الحراك الشعبي ومستجدّات الساحة.
كما تُحاول كبرى الصفحات الفايسبوكية والمجموعات، اطلاع الرأي العام بمستجدّات الساحة.
الحراك الشعبي يتجنّد للتوعية والتبرعات
تجنّد نشطاء من الحراك الشعبي السلمي، مُباشرة بعد تعليق المسيرات، من أجل التحسيس والتوعية من خطر فيروس “كوفيد-19″، وكيفية الوقاية منه والحدّ من انتشاره.
ثمّ شرع نشطاء شباب من الثورة السلمية، في حملات تعقيم الشوارع، طيلة أيام الأسبوع، في عدد من ولايات الوطن.
وأطلق فاعلون من الحراك، فيديو توعوي عن ضرورة تعليق المسيرات نظرا لخطر وباء كورونا، شارك فيه صحفيون، فنانون، أطبّاء ونشطاء.
من جهة أخرى، شرع آخرون في جمع التبرّعات من معدات طبية وتوزيعها على المستشفيات، ومواد غذائية للمعوزين.
إيداع نشطاء السجن واستدعاءات بالجملة للنشطاء في عزّ أزمة “كورونا”
بينما لبّى الحراك الشعبي ، دعوات تعليق المسيرات إلى غاية القضاء على وباء “كوفيد-19″، لم تتوقّف حملة الإعتقالات وزجّ الحراكيين في السجون، كما تلقّى نشطاء بمختلف ولايات الوطن، استدعاءات من طرف الشرطة القضائية، مع إجراء تحقيقات معهم.
وقرّر مجلس قضاء العاصمة، تشديد العقوبة على الناشط السياسي، كريم طابو، بسنة سجن نافذة، بعدما كان بصدد استنفاذ حكمه (سنة سجن منها 6 أشهر حبس نافذ).
وتمّ إيداع الصحفي خالد درارني الحبس المؤقت، عوض الإبقاء على الرقابة القضائية في حقه.
وأودع وكيل الجمهورية المساعد لدى محكمة تيارت والمناضل النقابي، في السجن المؤقّت.
قرارات أحدثت ضجّة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأطلق الحراك الشعبي حملات تضامنية مع المعتقلين، وطالبوا باطلاق سراحهم، مع التأكيد على ضرورة مواصلة تعليق المسيرات، على الرغم من “استفزازات السلطة”.
وأكّد ملاحظون، أنّ السلطة تستغل فرض الحجر الصحي، للزجّ بالنشطاء في السجون أو توجيه استدعاءات لهم، مُتجاهلةً الظروف التي تعيشها الجزائر بسبب الوباء.
كيف يقضي النشطاء أيامهم في الحجر الصحي وما رسالتهم للحراك الشعبي؟
ينشرُ النشطاء يومياً، صوراً وتدوينات بخصوص الثورة السلمية، مصرّين على أنّ النضال من أجل تحقيق مطالب الحراك مستمرٌّ.
وقال الناشط “حسان قاريدي”، إنّه يقضي وقته في مُطالعة كتب التاريخ، ويُحاول قراءة كتاب على الأقلّ يومياً.
مُواصلا: “أنصح الحراكيين والحراكيات بالمطالعة، مع الإستمرار في النضال، ومساعدة المحتاجين”.
من جهتها، الناشطة “هند تامنجوت”، أكّدت أنّها تتابع مستجدّات الساحة، من خلال كبرى صفحات الحراك بالفاسبوك وتويتر، على غرار صفحة اللجنة الوطنية للدفاع عن المعتقلين CNLD”.
من جهة أخرى، تبقى “هند” على تواصل مع نشطاء الحراك من خلال مجموعات على تطبيق “مسنجر”، كما تسعى رفقة مجموعة من النشطاء على جمع التبرعات الطبية والمواد الواسعة الإستهلاك، وتوزيعها على المستشفيات والمحتاجين.
وتضيف الناشطة: “أيام الجمعة والسّبت، نكتب لافتات ونحن في بيوتنا، ثمّ ننشرها على مواقع التواصل الاجتماعي”، لنقول : “لسنا في الشارع، لكن نحن هنا” !
أمّا الناشط “رؤوف رايس” يقول : “نحن على تواصل يومي مع المحامين وهيئة دفاع معتقلي الحراك، نسعى اليوم لإيجاد بديل للشارع، للضغط على الحكومة غير الشرعية من أجل اطلاق سراحهم”.
الناشطة “أمال حجاج” من الفاعلات في الحراك والمربّع النسوي، تقول: ” أفكّر يومياً في الحراك، خاصّة أيام الجمعة”، مضيفة: “أقضي وقتاً كبيرا في الكتابة، أكتب قصّة نضالي النسوي، أحاول أيضاً الاهتمام بصفحة الجريدة النسوية الجزايرية على الفايسبوك، الأمر الذي يجعلني على تواصل مع مستجدات الساحة، خاصة قضية المعتقلين”.
وكشفت “أمال حجاج” أنّها تستغل الحجر الصحي لتقييم الحراك، وما حقّقه من مكاسب”.
وكرسالة للحراك تقول المناضلة النسوية: “على الحراك أن يستعدّ من الآن للعودة بقوّة، فالأزمة أثبتت أن مستقبل الجزائريين والجزائريات مرتبط بالحراك، وبجزائر حرة ديمقراطية وجزائر المساواة”.
من جهته، كشف الناشط “زهير كدام” عن مشاركته خلال أيام الحجر الصحي، رفقة مجموعة من الحراكيين في حملات تعقيم الأحياء، وجمع المعدات الطبية، وتوزيعها على المراكز الإستشفائية، بالإضافة إلى المواد الغذائية وتوزيعها على المعوزين.
وعن الحراك، يقول “زهير كدام: “معنوياتنا مرتفعة، سيعود الحراك السلمي مع عودة صلاة الجماعة وإعادة فتح المساجد”.
كيف ستكون عودة المسيرات السلمية ؟
لا أحد في العالم تنبّأ بتاريخ القضاء على وباء “كورونا”، إلّا أنّ الباحثين في المعمورة بأكملها تجنّدوا من أجل إيجاد دواء أو لقاح ضدّ الفيروس، الأمر الذي ينتظره الحراك الشعبي من أجل العودة بقوّة إلى المسيرات السلمية التي علّقت وعياً بخطورة الأزمة.
فكيف ستكون العودة وهل يفكّر الحراك في سبلٍ جديدة من أجل الضغط على السلطة، هذه الأخيرة التي تواصل سياسة تجاهل مطالبه منذ 13 شهراً ؟!