بقلم زهور شنوف
مرحبا سيدتي،
لا أعرف كيف يمكن أن يبدأ المرء رسالة إلى شخص لم يلتق به من قبل، لذلك فكرت أن أسأل “غوغل” الذي بات يَعرف عنا كل شيء ويُعرفنا على أي شيء.. ثم قلت إن منطقه اللوغاريتمي لن يفهم ما أريد، وأصلا كيف سأشرح له أنني أريد كتابة رسالة لشخص لم ألتقيه من قبل لكنني ألتقيه كل أسبوع منذ أربعة أشهر!
ربما لم تجمعنا من قبل هذه الجغرافيا (الجزائر) التي تشكل كل هواجسنا وأحلامنا في مربع ضيق عليها، لكن منذ عرفتك في الجمعة العشرين لحراك الجزائريين محمولة صورة وإسما بأيدي المتظاهرين، لم نُخلف موعد لقائنا ولو لجمعة واحدة.. تمرين علي وتلقين تحية الحرية بقميصك الأسود بالراية الأمازيغية.. يحمل كثر صورتك ويكتبون اسمك ويطالبون بحريتك.. تأتين مصحوبة بكل الموقوفين ومعكم المجاهد الكبير لخضر بورقعة، رفيقكم في النضال ورفيقكم في ظلمة السجن.. ورفيقكم في التظاهر كل جمعة إلى يومنا هذا..
سيدتي،
كل مرة أفكر كيف تشعرين في كل مناسبة تمر، في كل يوم يمر، في كل جمعة تمر.. في السجن علينا أن نفكر في كل ثانية كيف تمر، فاليوم يصبح ضربا من الجنون، خصوصا اذا ما كانت جريمتنا الوحيدة هي الدفاع عن الحرية والحق في العيش الكريم الذي دفع أجدادنا الروح من أجله! ثم أتذكر ما قاله لي محامي صديق عندما زارك في الأيام الأولى للتوقيف.. قال إنك قوية جدا وكنت مبتسمة طوال اللقاء ومتفائلة وتسألين عن أحوال الحراك! قال بالحرف “ليست مهزومة إنها إيجابية جدا”!
سيدتي،
لا أعرف كيف يمكن أن يكون الإنسان إيجابيا في غياهب السجن، لكن صديقنا لم يبالغ، لقد كنت فعلا إيجابية.. رأيت وجهك المبتسم في “السلفي” بالمحكمة مع محاميك.. تعرفين أن النظر إلى وجهك ماليا يشعرني أنك لا تبالين وأن الحراك أقوى من أي ممارسة قمعية حدثت أو يمكن أن تحدث! أركز النظر في كتفك المربوط إلى عنقك، وأريد أن أقول لك كيف هي الرضوض التي أصابت كتفك وذراعك.. لكن أنظر جيدا إلى الابتسامة الهادئة التي ترمم حتى رضوض القلق الذي أشاعه فينا الأسلوب البدائي المشرعن للعنف، فأنشغل عن السؤال، وأتذكر كل الجزائريات اللواتي يخرجن يوم الجمعة، وكل الطالبات الرائعات اللواتي يخرجن كل ثلاثاء، لا أعرف اذا أخبرك أحد زوارك أنهن واجهن القر والحر وخرجن طوال الصيف أيضا، وواجهن همجية الشرطة بابتسامة تشبه ابتسامتك تماما يوم الثلاثاء الماضي.. ابتسامة تذكر بيوم الثامن مارس العجيب.. لا أعرف إذا كنت تفكرين في تلك اللحظة المهيبة التي لم تكرم فيها الجزائريات من قبل بذلك الشكل وبتلك الوحدة.. لقد كان الوطن لنا وحدنا مزين من أجلنا..
سيدتي،
تمر أوقات كثيرة أشعر فيها بالهزيمة والسلبية، لكنني أتذكر ابتسامتك وآلاف آلااااف الابتسامات التي رأيتها بين وجوه جموع تتحدى التخويف والتعنيف، لذلك أتمنى أن تبقين إيحابية رغم هذه الظروف، لأن الناس في السجن الكبير الذي يتحين حكامه الفرص لإطلاق العنف والتفرقة في وجه السلمية، يقاومون بشراسة، يقاومون من أجلكم ومن أجلنا ومن أجل أن تبقى هذه الجغرافيا تجمعنا وتحارب هواجسنا وتحقق أحلامنا في أن نبقى إيجابيين لبناء الوطن المحاصر بسلبية وطمع الناهبين..
كوني بخير
زهور شنوف