تردّدتُ كثيرا في محاولة الكتابة حول مسرحية خاطيني لأحمد رزاق، التي عُرضت بالتكرار غير المُمل بمسرح ( السكوار)!
ترددتُ لأني لا أحمل أيّة صفة تعطيني شرعية تناول ( الظاهرة) ما دُمنا نعيش زمن الشرعيات الجهادية، السياسية و الفنيّة، لكني تذكرتُ رواند بإرث و موت المؤلف، الذي أعطى لأمثالي من المتفرجين السُذج ( الحق ) في ( قتلِ) المؤلف لإحياء طريقتنا في مُقاربة العرض لأن الكاتب المذكور منحنا المساواة في تلقي العمل حسب مستوياتنا المختلفة، نفسُ الحقّ الذي سلبتهُ دكتاتورية ( النقد النخبوي) المحلي التي تجعلُ من خام الغيرة مادة أولية لإطلاق الأحكام القيمية على تركيب فنّي زائد الجرأة بإسم شرعية الصحافة الناقصة أدباً ( بمعناها الثقافي و الأخلاقي ).
في بلد الشباب هرب الشبابُ من الجغرافيا بالقوارب و من الواقع بالإكستاز، و من الحُلم باللامبالاة، في بلدٍ بلا ثياب لبس الهرمُ في عقله لباس الحاكم المُقدس من طرف الرعيّة، الحاكم تخشاهُ الرعيّة، لكنّ الحاكم يخشى البزّة العسكرية، من قوة وهمية تستمدُ البزّة شرعية، لتُقرّر الإبقاءَ على آخر خاطيني في الوطن بالتعسفُ و هي التي دفعت بنفس التعسف كُل من كان خاطيه أن يترك المتسع لمشايخ الدين التي صامت على الحق و أذنت للباطل، و لنخبةٍ غيّبت الذكاء و النزاهة و غيرتهُ بالتملق دون أن تستحي و هي المخترعة الحقيقية لمُصطلح ( الفاهم و المرحي)، في زمن الألوان ظهرَ أن الإعلام هو أقدم مهنة في التاريخ، وراء الشاشة السوداء حقيقة زواج المتعة بين السياسة بالصحافة و بين الصحافة ورأس المال الفاسد، في كل المنظومات سيدات أولى تصنع القدر للرجل الأوّل إلاّ عندنا فالحريم من يقرّر و إنما الحريم إعلامٌ لم تستطع كياسات الحمام غسيل أوزاره النتنه، الأبُ خاطيه لأنّ المواقف تتناقص بكبر السن و تتهاوي بإرتفاع أسعار المواد الغذائية و تكلفة الحياة .. الذليلة التي أصبحت بمرور السنين و بقاء المسنين الطبيعة الثانية !!
للسياسة صالونات و للثقافة حانات، مثلما قال السياسيون أن هذا الشعب ليس بشعب، يقول المثقفون أن هذا المسرح ليس بمسرح، الحقيقة أنه في زمن ليس ببعيد أخطأ البعض في المجتمع، لأن النخبة كانت موجودة و الشعب مُغيّب، و الحقيقة أنّ في هذا الزمان كان الشعبُ حاضراً وموجودا و النخبةُ غائبة مغلوبة، حضرٍ الشعب و راح يبحثُ عن المثقفين لكنهم مشغولون بمُضاجعة السلطة في الكواليس و إنتقاد الحراك الشعبي و الحراك المسرحي في الفضاء الأسود .
هم يريدون مسرحاً نخبوياً أساسهُ المعرفة و البناء القانوني، لكنهم يخلطون بين النخبة و التراكم المعرفي، هم يريدون مسرحاً أدبيًا مبنيًا على النص المقدس و عندما يأخذون النصوص يتصرفون معها كلصوص، هم يريدون مسرحا بورجوازيًا و هم ينتظرون فتات الإدارة و مهرجانات الرعاية و إنما يومياتهم ميلودرام حقيقية، هم يردون مسرحًا إيطالياً بهندسة و هيكلة هرمية و يطالبون بالتموقع مسافة ًمع الجمهور و لكنهم لا يتموقوعون بمسافة الإستقلالية مع الريع الثقافي للحفاظ على الحرية الضرورية للإبداع و النقد، على عكس هؤلاء يريدهُ أحمد رزاق مسرحا يشبههُ و يشبهنا، شعبياً دون شعبوية و سياسيًا دون إنتماء أيديولوجي و لا حزبي، متناغم مع السياق، مُفككٍ للإختناق في الذي تصنعهُ أصوات الدعاية المؤسساتية.
تغيّر بعض اليسار عندنا و خلقَ بفضل الريع البوتفليقي يسار الكافيار، لكن بعض اليسار لم يتغيّر في النقد دون معنى مثلما تغيَر في العيش بالترف دو ن معنى، و الجميل في عرض رزاق أنهُ كّلما إبتعدت النخبة عن الواقع باسم التعالي ، إقترب من الجمهور ، كُلّ الجماهير بعيدا عن شفرات البورجوازية الوهمية التي صنعت أثرياء وصوليين من الفن مثلما صنعت فقراء الفكر من الفن، لأن هؤلاء و بقدرة قادر تحوّلوا إلى مفكرين في نقد الصناعة الثقافية دون أن تمتلك بلادهم صناعة بالأصل، و دون أن يقرؤوا( لأدورنو و هوركايمر) ليستبدلو مدرسة فرانكفورت بمدرسة مديريات الثقافة، رافضين للمخرج أداء واجبة في صناعة الحلم في لحظة ضحك أو بكاء.
مثّل المسرح الإغريقي سُلطة مُضادة و قوية للمؤسسات، حيث يتم التعبير فيه عن سيادة الشعب في الركح و في المساحات العمومية، مثلما مثل مسرح شيكسبير و سشيلر المسرح المواطني الذي يُظهر أن حَراك الرجل القيّم يُغيّر مجرى التاريخ عكس سكون الإنتهازي ، فلماذا يرفض البعض أن يمثّل مسرح رزاق و غيره من المبدعين مقاماً لسيادة الشعب في السرح و في الشارع و في حقّه في إسترجاع الفضاء العام، لماذا كان العظماء في المسرح العالمي يتوجهون لجميع المستويات الإجتماعية و يرفضُ عظماؤنا أن ينال الجزائريون هذا الحق في الأثر النقدي الباعث على التفكير، لماذا أقرّت اللجنة الثورية بفرنسا سنة 1793 بضرورة بناء مسرح شعبي لشعبٍ مواطن و ليس عبيد، و لا يريد أهلنا أن يكون لثورة الإبتسامة مسرحٌ مواطنيٌ بمثل تجارب خاطيني و بكالوريا و طرشاقة و كشروردة، هل لأنهم يرفضون المساواة في الكلمة و الحرية و العظمة مثلما قال Victor Hugo لجعلها محصورة في طبقة الصحافيين النقاد و المخرجين النقاد بغياب النقاد المهنيين و المختصين.
يقول Weimar أن الحرية السياسية الحقيقية هي أكبر إنجازات الإبداع الفني، خاطيني هو تجسيدٌ لهذا الإبداع الفني و لمن يستطيع أن يقدّم أفضل فليتفضل أو يصمت لأن الجمهور الغفير ينزعجُ من الذباب الثقافي و الفني
مصطفى كساسي / متفرج .