“رجعت بعد خمسة شهور، لقات راجلها مزوّج عليها”، جملة وحيدة تتناقلها منصات التواصل الاجتماعي هذه الأيام، محمّلة بسخرية لاذعة، وتهكم يجرّد القصة من إنسانيتها، ويطمس خلفها وجع امرأة تنوء تحت وطأة العنف والتجاهل.
القصة في حقيقتها أعمق من مجرد “خيانة”، إنها مرآة لواقع مرير تعيشه آلاف النساء في صمت. امرأة شابة، حامل، تتعرّض للضرب والإهانة داخل بيت الزوجية، لا لذنب سوى أنها “زوجة”، فيما تتعامل عائلتها، وعلى رأسها والدها، مع الأمر كقدر لا يُردّ. في كل مرة تحاول الفرار، يُعاد تصديرها إلى بيت تعنيفها، وكأنها سلعة أعيدت إلى صاحبها.
في لحظة وعي مؤلمة، تقرر المرأة الانسحاب خمسة أشهر. وبعد عودتها، تكتشف أن زوجها قد تزوّج من أخرى، خبر لم يكن سهلا على والدتها، التي أُصيبت بجلطة أفقدتها الحركة.
لكن رواد مواقع التواصل، الذين اكتفوا بالنظر إلى “النهاية المفاجئة” دون الغوص في سياق القصة، اختزلوا المأساة في نكتة، وفي موجة تعليقات تحمل المرأة مسؤولية ما جرى، دون أدنى إحساس بما مرت به من قهر وتعنيف، بل وتحوّلت قضيتها إلى مادة لـ”الترند”.
هنا تبرز إشكالية أخرى، تتجاوز العنف المنزلي إلى عنف رقمي. كيف تحوّلت فضاءات التواصل إلى ساحات لتكريس ثقافة التنمر بدل التضامن؟ ولماذا لا تزال معاناة النساء تُستقبل بالتهكم بدلاً من الفهم والدعم؟
القضية تكشف هشاشة الوعي الجماعي تجاه قضايا المرأة، وغياب الحس الإنساني في التعاطي مع قصص مؤلمة، خصوصاً حينما تُعرَض خارج سياقها، وتُقتطع لتغذية شهية “الفرجة الرقمية”.
هذه ليست حكاية فردية، بل صرخة في وجه مجتمع يربّي بناته على الصبر، لا على العدالة، ويربّي أبناءه على الهيمنة لا على المسؤولية، ثم يسخر حين تنهار الضحية تحت وطأة الألم.
المطلوب اليوم ليس فقط تسليط الضوء على معاناة النساء، بل مساءلة العادات والتقاليد التي تشرعن استمرار العنف، وكذا المنصات الرقمية التي صارت في كثير من الأحيان تُعيد إنتاج هذا العنف بصيغ “حديثة” أشدّ قسوة.
محمد الطيب