تتألق “كويكول” الرومانية، المعروفة بجميلة، كحلم أثري يلامس السماء، متلألئة في قلب الجزائر، تقف شاهدة على عظمة الماضي، متربعة على هضبة شاهقة شمال شرق ولاية سطيف، على ارتفاع 900 متر، لتنسج على مساحة 42 هكتارًا لوحة فنية خالدة، تمتزج فيها روعة الطبيعة بسحر الهندسة المعمارية الرومانية. هنا، في هذا المكان الذي أسسه الإمبراطور “نيرفا” في نهاية القرن الأول الميلادي، تتجلى عظمة الرومان في كل حجر وزاوية، شوارع مرصوفة بالذكريات، وأعمدة شامخة تحمل عبق التاريخ، ومنازل وقصور تحكي قصصًا من زمن مضى، إنها مدينة تروي حكاية حضارة عريقة، تركت بصماتها الذهبية على أرض الجزائر، لتصبح اليوم وجهة سياحية ساحرة، تأسر قلوب الزائرين بجمالها الخالد.
يستقبل الزائر عند مدخل المدينة تمثالان ضخمان للسيدة “جوليا دوبنا” وزوجها “سيتيرسيفير”، وكأنهما حارسان على هذه المدينة التي أسسا فيها معابد وقصورًا فخمة، تتجلى عظمة الرومان في كل زاوية من زوايا “جميلة”، حيث يمكن للزائر أن يتجول بين “معبد الكابيتول”، و”سوق الإخوة كوزيتوس”، و”معبد آلهة أوروبا”، وساحة “وادي المقربين”، و”محكمة الغرب”، و”معبد فينوس”، و”منزل كاسفينوس”، وغيرها من المعالم التي تروي قصصًا من الماضي، فما يميز هذه المدينة هو تصميمها المعماري الفريد الذي يعكس تخطيط المدن الرومانية على شكل لوحة الشطرنج، حيث تتوزع المعالم الأثرية بدقة متناهية، من شوارع وأعمدة مزخرفة إلى منازل وحمامات وقاعات مسرحية.
تزخر مدينة جميلة بثروة أثرية هائلة، حيث يضم متحفها قطعًا فنية نادرة، أبرزها فسيفساء أرضية رائعة تصور الآلهة ومشاهد الحياة الحضارية الرومانية، كما يمكن للزائر أن يستمتع بمشاهدة تماثيل الآلهة الرومانية التي تزين أرجاء المدينة، والتي تعكس مدى اهتمام الرومان بالفنون والجمال.ورغم موقعها الجغرافي الوعر، إلا أن مدينة جميلة استطاعت أن تتطور وتزدهر، لتصبح مركزًا ثقافيًا وتجاريًا هامًا في المنطقة، وقد ساهمت خصوبة الأرض ووفرة المياه في ازدهار الزراعة وتطور المدينة، لتصل إلى أوجها في القرون اللاحقة.
صنفت مدينة جميلة سنة 1982 كتراث عالمي، واليوم تؤدي هذه المدينة دورًا هامًا في الجذب السياحي، من خلال احتضانها للمهرجان السنوي للطرب العربي، والذي يقام في مسرحها الروماني العتيق، مستقطبا فنانين من مختلف أنحاء الوطن العربي، ففي كل عام يلقى المهرجان متابعة واسعة من أهالي المدينة، الذين يتحلون بالحماس للاستمتاع بعروض فنية باهرة وغنائية لمطربين عرب كبار، كما يستقطب المهرجان زوارًا من خارج ولاية سطيف وحتى من خارج الوطن، الذين يجدون فيه فرصة فريدة للتعرف عن قرب على المدينة الأثرية وما أنتجته الحضارة الرومانية من قيمة فنية وهندسية فريدة.
عمراني ضحى