في زمن تغرد فيه السياسة أكثر مما تتكلم، وتحاول فيه الدبلوماسية أن تُخفي موازين القوة خلف كلمات منمّقة، تُطل علينا الرباط بتغريدة جديدة، هذه المرة من النائب الأمريكي الجمهوري جو ويلسون، الذي وصف جبهة البوليساريو بـ”الحركة الإرهابية” عقب لقائه بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
تغريدة مُضخّمة… بلا مضمون
لم تمض ساعات حتى كانت وسائل الإعلام المغربية قد بدأت بالتطبيل للتغريدة، واعتبارها “اختراقًا دبلوماسيًا”، بل وحتى “تحولًا في الموقف الأمريكي” من النزاع في الصحراء الغربية. غير أن هذا التوصيف لا يصمد أمام أدنى تحليل سياسي واقعي. فالنائب ويلسون لا يشغل منصبًا تنفيذيا، ولا يتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أو البيت الأبيض.
من هو جو ويلسون؟
جو ويلسون نائب معروف في أوساط الكونغرس الأمريكي، ليس بمواقفه المعتدلة، بل بمناصرته المطلقة لإسرائيل وعدائه الشديد لإيران. صاحب مشروع “قانون الشراكة الدفاعية مع إسرائيل”، وأحد أبرز الداعين إلى ما يسميه “تحرير العراق من إيران”. مواقفه هذه تنبع من قناعات أيديولوجية وليس من إدراك حقيقي لتعقيدات ملف الصحراء الغربية.
البيت الأبيض لم يُغيّر موقفه
وعلى النقيض من هذه الضجة، جاءت تصريحات السيناتور ماركو روبيو بعد لقائه مع بوريطة لتُؤكد الثوابت: دعم مقترح الحكم الذاتي تحت رعاية الأمم المتحدة، والعمل على حل سياسي دائم. لا يوجد إذن أي تغير رسمي في موقف الولايات المتحدة، بل إن التصريح يعكس تناقضًا داخليًا في مواقف أعضاء الكونغرس لا أكثر.
الرباط وتكرار أسطوانة “الإرهاب”
سعي المغرب إلى ربط البوليساريو بالإرهاب ليس جديدًا. غير أن هذا المسعى باء بالفشل، إذ برّأت تقارير استخباراتية أمريكية الجبهة من أية صلات بتنظيمات إرهابية، ونفت المزاعم حول دعم إيراني أو تدريب من “حزب الله”.
الجزائر… ثبات على المبادئ
بالنسبة للجزائر، فإن هذه المسرحيات السياسية لا تؤثر على موقفها الثابت والمبدئي من القضية. كما قال القائد الثوري مصطفى بن بولعيد: “الحرية لا تُطلب، بل تُنتزع انتزاعًا.”
وقال هواري بومدين في أحد خطاباته الشهيرة: “نحن مع قضايا التحرر، ومع الصحراء الغربية لأنها قضية تصفية استعمار لا مساومة فيها.”
خاتمة: الحقيقة لا تُغرد
قد ينجح البعض في بيع الوهم تحت لافتات التطبيع، وقد تُسوّق تغريدة كأنها قرار أممي، لكنّ التاريخ لا يُكتَب بالحبر الرقمي، بل بصمود الشعوب.
الصحراء ليست ملفًا تفاوضيًا فحسب، إنها مرآة للمبادئ وميدان لاختبار المواقف.
وإذا كان البعض قد اختار أن يقف على الجانب الخطأ من التاريخ… فإن الجزائر، بشعبها وذاكرتها الثورية، ستبقى على الضفة الصحيحة مهما اشتدت العواصف.
—
الكلمات المفتاحية: الصحراء الغربية، المغرب، جو ويلسون، البوليساريو، الجزائر، ناصر بوريطة، ماركو روبيو، التطبيع، السياسة الأمريكية، الإرهاب، رأي.