أعلنت الفيدرالية الجزائرية لكرة القدم مؤخراً في خطوة أثارت الكثير من الجدل داخل الأوساط الكروية الجزائرية عن قرارها بتسقيف أجور اللاعبين المحترفين، وهو ما اعتبره كثيرون قرارًا مجحفًا لا يتماشى مع طبيعة المرحلة الحالية التي تتطلب دعمًا حقيقيًا للأندية الوطنية، خاصة تلك التي تمثل الجزائر في المنافسات القارية. وبينما تتحرك الدول المجاورة نحو تعزيز قدرات أنديتها ماليًا وفنيًا، تأتي الجزائر لتقيد نفسها من الداخل بإجراءات غير واقعية.
هذا القرار، وإن بدا في ظاهره اقتصاديًا يهدف إلى ضبط النفقات، إلا أنه في جوهره يُعبّر عن قصر نظر في تسيير شؤون الكرة الجزائرية. الأندية الجزائرية، التي تستعد لخوض غمار المنافسات الإفريقية، تجد نفسها مطالبة بتحقيق نتائج ومقارعة أندية مدعومة بميزانيات ضخمة، دون أن تتوفر لها الإمكانيات المالية والبشرية التي تسمح بذلك. كيف يمكن لأندية مثل مولودية الجزائر أو شباب بلوزداد أو شبيبة القبائل أو اتحاد العاصمة أن تنافس أندية مثل الأهلي المصري أو الوداد البيضاوي أو صانداونز الجنوب إفريقي، وكلها تملك دعما يفوق بعشرات الأضعاف ما هو متاح للأندية الجزائرية؟
الأرقام وحدها كفيلة بكشف حجم الهوة. فميزانية الأهلي المصري تقارب 30 مليون دولار سنويا، والزمالك 23 مليون دولار، وصانداونز 27 مليون دولار، بينما لا تتعدى ميزانيات أكبر الأندية الجزائرية حاجز 7 ملايين دولار سنويا، بل إن مجموع ميزانيات الفرق الأربعة مجتمعة لا يوازي ميزانية نادٍ واحد فقط مثل الأهلي. هذا الواقع المرير يجعل من القرار الجديد بمثابة قيد إضافي يُعقّد مهمة الفرق الجزائرية، بدل أن يمنحها الحوافز لتقديم أداء مشرّف في المحافل القارية.
المؤسف أن هذا التضييق المالي يأتي في وقت تحظى فيه الأندية في دول مثل مصر والمغرب وتونس بدعم حكومي واستثماري قوي، ما مكّنها من الوصول إلى واجهات عالمية مثل كأس العالم للأندية في أمريكا. في المقابل، تُفرض القيود على الأندية الجزائرية التي تكافح في صمت وسط غياب استراتيجية واضحة المعالم لتطوير كرة القدم الوطنية. بدلًا من الاستثمار في التكوين والتسيير الحديث للأندية، يتم اللجوء إلى حلول سطحية تضرب في عمق الاحتراف الذي يُفترض أن نرسخه لا أن ننسفه.
لا أحد يُنكر أن هناك مشاكل في التسيير المالي داخل بعض الأندية، لكن الرد لا يجب أن يكون عبر العقاب الجماعي أو الحد من قدرة الفرق على الحفاظ على لاعبيها أو جلب محترفين مميزين. بل يجب أن يكون عبر تفعيل الرقابة والمحاسبة وتشجيع الشفافية، لا عن طريق فرض سقوف قد تدفع أفضل اللاعبين للهجرة نحو بطولات خارجية، بحثًا عن التقدير المادي والاستقرار المهني.
إن قرار تسقيف الأجور ليس سوى وصفة جاهزة لتقزيم طموحات الأندية الجزائرية، وتقليص فرصها في التتويج أو حتى المنافسة على الألقاب القارية. وإذا ما استمر هذا التوجه، فإن النتيجة ستكون تراجعًا حتميًا في مستوى التمثيل الجزائري، وتفريطًا في آخر ما تبقى من سمعة الكرة الجزائرية على الساحة الإفريقية. القرار بحاجة إلى مراجعة عاجلة، لأن الاستمرار فيه سيكون أشبه بخطوة إلى الوراء في وقت يتحرك فيه العالم إلى الأمام.