
استضافت حصة ( رانا حكمناك ) على قناة النهار؛ الكاتب الروائي الشهير رشيد بوجدرة، وكان المكان بسيطا جدا لإجراء حوار مع شخصية أدبية معروفة، حيث توجد طاولة صغيرة تتوسط الضيف والمنشط، وعليها غطاء لا يصلح إلا لحافا للنائم، وفوقها قارورتان صغيرتان لشرب الماء، دون غلافهما الإعلاني، وكان لباس الضيف في الحصة أبسط من الديكور، ثم طرح سؤال اعتباطي مباشر عن أحلام مستغانمي، وبعدها يدخل ممثل يتقمص دور رجل الشرطة ، ويقتحم الزاوية الخاصة بالتسجيل، آمرا بإظهار رخصة البرنامج أو اللقاء، مما اضطر الروائي لإظهار بطاقته الوطنية القديمة الخضراء ، والتي تحتوي ضمنها بضعة أوراق نقدية من فئة 1000 دينار جزائري.
ثم تلا المنشط وثيقة قال أنها إذن أمني بالتفتيش، في حق الضيف الروائي رشيد بوجدرة، وبها تهمتان، أولاهما ( الإلحاد !! )، والثانية هي التخابر مع دول أجنبية أوروبية ؟!!، فهل يعلم الدستوريون في الجزائر أن الإلحاد صار جناية يتابعها القانون، وجريمة تستحق المساءلة والملاحقة والمعاقبة، أم لا ؟ ولو أن المقترح مجرد مزحة ملفقة بذيئة، إلا أنه مس بحرية المعتقد وحرية التعبد لدى المواطن !.
ثم تلا ذلك نقاش ذكر فيه أن الروائي مجاهد، بشكل قد يوحي لدى البعض بأنه نوع من التهكم المبطن الخفي بتاريخ الكاتب، فهل ستتحرك وزارة المجاهدين انتفاضا لكرامة مجاهد؟، ومن ثم القيام بالتعريف بمجهوداته لأجل إستقلال الوطن ؟.
وقد وجد الروائي نفسه في لحظة إكراه، مجبرا على كشف ماهية دينه، بشكل يرتضيه السائل لا المسؤول، وطلب منه توضيح كونه مسلما أو ملحدا، وسأل عن قيامه بإقناع زوجته الفرنسية بالإسلام، وقد أثبت ذلك، ثم أمره المتقمص لدور الشرطي بأن يكبر الله ثلاثا، وينطق بالشهادتين ثلاثا، مما اعتبره الروائي احتقارا له، ولكنه استجاب، بعد أن قيل له أن التكرار جزء من السنة، وكأنه كان في كهف لجماعة متطرفة مسلحة، تأسره وتعذبه نفسيا.
ثم ثار الروائي وانتفض، وقصف المتواجدين بما شاء من كلام يبدو جارحا، مما اضطر المنتج لحذفه وتعويضه بصوت الصفير، ووصف البعض بأنهم ليسوا رجالا، صارخا فيهم: ( قيلوني .. قيلوني )، وهرب مثل الطفل المذعور، الذي تم ترويعه ومحاصرته، وهذا ليس مستغربا، بعد التدافع بالأيادي، والصراخ والتقاذف بالكلمات النابية.
وانتهى البرنامج المجزوء بمونتاج تعيس، مذيّلا بتبرير سخيف، تلاه اعتذار رسمي من مدير القناة في صفحته على تويتر، وكأن المدير يفضح جهله بما يحدث تحت طاولته، أو في غرفات مؤسسته، أو على شاشة قناته، ولا يدري بما يبثه موظفوه !!.
هذه الحصة أثارت غضبا واسعا، وحنقا عميقا، وغيظا بارزا، ورفضا شديدا، لأنها تحتوي على تكريس لثقافة المحاكمات الدينية، والمساءلات العقائدية، والإيذاء على الهوية، وتوتير علاقة الطبقة الحاكمة بطبقة المثقفين، وتشبه إلى حد كبير تصرفات المهوسين بالجدال الديني والمذهبي والإيديولوجي، وإظهار المثقف الجزائري بصورة الفقير المسكين أو حتى المتسول.
وقد انهالت التعليقات من المواطنين والمثقفين تجاه الحصة، فمنهم من سخر من بوجدرة وقال بأنه يستحق ما حصل له، وهناك من احتج ضد القناة لأنها في رأيه تتعمد استضافة ملحد مثل بوجدرة، والبعض دافع عنه بشراسة، سواء من منطلق الاعتزاز بفكره ونتاجه، أو من الناحية الإنسانية والأخلاقية، والبعض يفسر ذلك على أنه تصفية حسابات، وضرب لمكانة المبدعين والكتّاب، وتخويف رمزي لهم، وهناك من يلوم الروائي على استجابته لدعوة قناة النهار.
وقد طالب مثقفون بتدوين عريضة وجمع توقيعات، لمثقفين ومواطنين، تتم من خلالها إدانة ما حدث وحصل، ووجوب مقاضاة ومحاكمة المتسببين ، ودعا آخرون إلى تنظيم وقفة احتجاجية، أمام مقر سلطة الضبط الإعلامي.
والأسئلة التي تطرح نفسها هي : هل قناة النهار يسيرها إعلاميون جديون، أم أنها في قبضة لاعبين بالنار، أم تحت رحمة مجموعة من المراهقين، وأنصاف المتدربين على التصوير والتهريج ؟، وهل يقبل مسؤولو البلاد بهذا المستوى المتدني، بداية من هرم الرئاسة إلى مجلس الحكومة، ومرورا بوزارتي الاتصال والثقافة؛ ثم نزولا إلى سلطة الضبط الإعلامي ؟ وهل نحن في رمضان بحاجة إلى كاميرات خفية تخرج المواطن من وعيه ورصانته، لتجعله شخصا متهيجا، ومنفعلا منفلتا، فاقدا لاتزانه، ومتجاوزا لقيمه ؟، وهل موضوع بوجدرة سيكون جزء من الملفات الإلهائية للشعب والنخبة ؟ أم أن الجهات المسؤولة تنتظر سببا أقوى من هذا لتدق ساعة الحسم، وتضع حدا لخزعبلات الاعلام الخاص ؟، وهل هناك تشويه أكبر من هذا، لكل من دستور الدولة، ونزاهة الشرطة، وإنسانية الثقافة، ومصداقية الإعلام الوطني أمام العالم ؟.
ويبقى الحل الوحيد في نظر الكثيرين لدى المواطن الواعي، وهو قيامه بحذف هذه القناة ومقاطعتها، لأنها تمارس الرداءة وتشجعها.