مع حلول الموسم الرمضاني، لا تقتصر القنوات التلفزيونية على بث المسلسلات الدرامية فحسب، بل ترافقها ببرامج تحليلية مخصّصة لمناقشة هذه الأعمال. لكن المثير للاهتمام أن هذه البرامج، التي يُفترض أن تكون منصات للنقد والتقييم، قد استفادت بالفعل من الطقوس الشعبية، وبخرت للمريض من لحيته، فتحولت ا إلى أداة دعائية تخدم المسلسلات بدلًا من تحليلها بموضوعية.
تحليل أم ترويج؟
تقوم القنوات المنتجة لهذه المسلسلات باستدعاء ممثلين من العمل ذاته، إلى جانب وجوه معروفة – لكن غالبًا غير مختصة في النقد الفني – لمناقشة الحلقات المعروضة.
لكن بدل تقديم قراءة نقدية معمّقة حول الحبكة الدرامية، جودة الإخراج، أداء الممثلين أو نقاط الضعف والقوة، يتحوّل النقاش إلى سلسلة من الإشادات المبالغ فيها، حيث يصبح الضيوف أشبه بلجنة تحكيم مجمعة على آراء تجتنب حتى الإشارة إلى مواطن الضعف في العمل.
هذه المديح الجماعي يخدم في الأساس الترويج للعمل، مما يُفقد البرنامج وظيفته الأساسية كنقد تحليلي، ويحوله إلى امتداد للحملة التسويقية التي بدأت قبل رمضان عبر الإعلانات والمقاطع الترويجية.
غياب النقاد المتخصصين
من أهم الإشكاليات في هذه البلاطوهات الرمضانية غياب النقاد الفنيين الحقيقيين، حيث يتم استبدالهم بممثلين أو إعلاميين يشاركون في العمل نفسه أو يرتبطون بعلاقات مهنية مع القناة المنتجة، ونتيجة لذلك، يصبح النقاش أحادي الاتجاه، حيث لا يُطرح أي رأي سلبي قد يُحرج فريق العمل أو القناة.
النقد الفني، في أي صناعة سينمائية أو تلفزيونية محترفة، يجب أن يعتمد على معايير واضحة مثل البناء الدرامي، جودة السيناريو، إيقاع السرد، توظيف الصورة والصوت، أداء الممثلين، وغيرها من العوامل التي تساهم في تقييم موضوعي، لكن ما يحدث في هذه البرامج هو تجاهل تام لهذه العناصر، واستبدالها بحوارات سطحية.
الجمهور كحكم نهائي
رغم محاولة هذه البرامج فرض صورة إيجابية عن المسلسلات، إلا أن الجمهور لم يعد يعتمد عليها كمصدر موثوق لتقييم الأعمال، في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح المشاهد أكثر قدرة على التمييز بين التقييم الموضوعي والدعاية الموجّهة.
فالنقاشات على المنصات الرقمية، حيث يتبادل المشاهدون آراءهم بصدق، باتت توفر مساحة نقدية أكثر واقعية وشفافية، مما يقلّل من تأثير هذه البلاطوهات الترويجية.
نحو إعلام نقدي أكثر مهنية؟
إذا كانت هذه البرامج تهدف فعلًا إلى تحليل الأعمال الدرامية، فمن الضروري أن تستعين بنقاد مختصين، وتفتح المجال لنقاش متوازن يشمل نقاط القوة والضعف، بدلًا من الاكتفاء بالتصفيق الجماعي، كما يمكن أن تكون هذه البلاطوهات فرصة لمناقشة تطور الدراما الجزائرية، التحديات التي تواجهها، ومقارنتها بالإنتاجات العربية والدولية.
في النهاية، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستتطور هذه البرامج لتكون منصات نقد حقيقي، أم ستظل مجرد امتداد للحملات الإعلانية؟
محمد الطيب