عقد المجلس الشعبي الوطني، اليوم الاثنين 25 فيفري 2019 جلسة علنية برئاسة السيد معاذ بوشارب، خصصت للاستماع إلى عرض الوزير الأول السيد أحمد أويحي الذي قدم بيان السياسة العامة للحكومة.
وعند وقوفه أمام النواب، أعلن الوزير الأول بأن مداخلته ستدور حول أربعة محاور: ملخص لبيان السياسة العامة، تنفيذ البرنامج الرئاسي للفترة الممتدة من 2014 إلى 2018، التطورات التي شهدتها الجزائر خلال السنوات العشرين الأخيرة، وكذا تقديم نظرة استشرافية نحو مستقبل البلد.
فبخصوص بيان السياسة العامة اكتفى السيد أويحي بالتطرق إلى بعض العناصر منه حيث وجه في البداية تحية تقدير لعناصر الجيش الوطني الشعبي وقوات الأمن لأن الجزائر تعيش في كنف السلم والأمن بفضل يقظتهم وجهودهم وتضحياتهم الجسام.
ثم أردف متحدثا عن مسار الإصلاحات في العشريتين الأخيرتين حيث عرف قطاع العدالة والحكامة حركة عصرنة، كما تم تحسين الشبكة المالية ومناخ الاستثمار ثم أضاف يقول بأن الجزائر سجلت تقدما ملحوظا في المجال الاقتصادي. حيث شهدت الفلاحة نسبة نمو قاربت 9 بالمائة، كما تمكن قطاع الصناعة من تغطية الحاجيات الوطنية في العديد من المجالات، وحتى من رفع حجم الصادرات خارج المحروقات.
وقال الوزير الأول أن النمو الاقتصادي عرف نموا قويا حيث قاربت نسبته 4 بالمائة خارج المحروقات في سنة 2018. وأضاف بأن قطاع المحروقات الذي يخضع حاليا للتقويم، ينتظره مستقبل واعد بفضل مراجعة تشريعه المقبلة، وكذا إقدامه على تصدير الغاز الصخري وأيضا تطوير المنتجات البتروكيماوية.
وعلى صعيد التنمية البشرية قال الوزير الأول بأنها شهدت تقدما معتبرا في المنظومة التربوية، وفي قطاعي الجامعة والتكوين المهني، وأيضا في مجال السكن وعبر تزويد المواطنين بالحاجات الضرورية من الماء الشروب والكهرباء والغاز.
واعتبر السيد أويحي السياسة الاجتماعية قد استمرت بمستواها المعتبر رغم المصاعب المالية. كما بقي التضامن الوطني قويا لفائدة الفئات المحرومة والمسعفة. فيما استمرت منظومة الحماية الاجتماعية والتقاعد في تقديم خدمات هامة، ولاسيما بدعم من الدولة. كما تمثل التحويلات الاجتماعية أكثر من 1500 مليار دينار في السنة، في حين استقرت البطالة في نسبة 11% رغم ثقل الطلبات الجديدة عن الشغل.
وقال السيد أويحي بخصوص المجاهدين وذوي الحقوق أن التكفل بهم ما زال متواصلا فيما يتم صون ذاكرة ثورتنا المجيدة من خلال تدريسها وإنجاز المتاحف والتكفل بمقابر الشهداء وكذا كتابة التاريخ.
وطمأن السيد الوزير الأول بالقول أن الشباب لايزال في قلب انشغالات الحكومة حتى يضمن له التكوين والتفتح ولاسيما من خلال النشاطات الترفيهية والرياضية وكذا سبل الاندماج في المجتمع وخاصة في مجال الشغل.
وأما بشأن الهوية الوطنية فقال بأنها تحظى باهتمام متميز. فترقية الإسلام دين الدولة، تتم على وجه الخصوص عبر تعزيز دور المساجد وتوحيد برامج التربية الاسلامية ونشر الثقافة الاسلامية كما قال. واضاف السيد أويحي بأن ترقية اللغة الأمازيغية شهدت توسيع تدريسها إلى 44 ولاية، إضافة إلى إصدار القانون المتعلق بالمجمع الجزائري للغة الأمازيغية، الذي تم نشر تشكيلته، حيث سيتم تنصيبها قريبا. وفيما يتعلق باللغة والثقافة العربيتين، فقال بأنهما ستظلان في قلب الاهتمامات من خلال منظومة التكوين وكذا الفضاء الثقافي والإعلامي.
في المقام والأخير، أوضح السيد أويحي بأن الجالية الوطنية بالمهجر تحظى بالاهتمام فعلاوة على حمايتها وتسهيل التكفل بها قنصليا من خلال إصدار الوثائق الرقمية، فهي تستفيد أيضا من إجراءات جديدة قررها السيد رئيس الجمهورية منذ سنة.
وفي هذا السياق، تمت معالجة 21000 ملف للاستفادة من سكن ترقوي، فيما تم استكمال أكثر من 400 ملف للاستفادة من قروض مصغرة لصالح الشباب. ومن جهة أخرى تعالج الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار عشرات المشاريع الأعضاء جاليتنا بالمهجر، في حين سيفتح فرع لبنك جزائري بفرنسا في السنة الجارية.
وعند انتقاله للحديث عن المحور الثاني قال السيد أويحي أن السنوات الخمس الأخيرة كانت غنية بالإنجازات. حيث شهدت هذه المرحلة تعديلا دستوريا أحيط باستشارة واسعة للطبقة السياسية وللحركة الجمعوية، تجسد من خلال تحيين العديد من القوانين.
وفي هذا الإطار، استكملت العدالة نشر شبكة واسعة من الهياكل القضائية عبر كافة الولايات. فيما لايزال مسار إصلاح التشريع خاصة لفائدة المتقاضين مستمرا ، ولاسيما مع تبني نظام التقاضي على درجتين في المجال الجنائي وإحداث الدفع بعدم دستورية القوانين أمام المجلس الدستوري.
وأوضح الوزير الأول بأن الإدارة باتت تتقدم في عصرنتها وخاصة بتعزيز هياكلها الإقليمية في الجنوب وبالمدن الكبرى، وكذا من خلال التقدم في رقمنة العقود والإجراءات والوثائق، وأيضا مع لامركزية القرارات في عدة مجالات لفائدة الولايات.
وأما في المجال الاقتصادي، فقد ذكّر السيد أويحي بأن الاستثمار استفاد من تسهيلات إضافية ولاسيما من خلال لامركزية الإجراءات، وتقديم عرض أوفر للعقار الصناعي، وكذا اتخاذ إجراءات هامة في المجال الجبائي، وتخفيض نسب الفوائد على القروض البنكية، وكذا دعم الصادرات خارج المحروقات. |
وفيما يتعلق بالإنجازات، تميزت السنوات الخمس الأخيرة، كما قال الوزير الأول، بحصيلة هائلة تم عرضها في الملحق 2 لبيان السياسة العامة. وقد تحققت، هذه الحصيلة رغم انهيار أسعار النفط منذ سنة 2014، والذي تسبب في تقليص المداخيل الخارجية لبلدنا بنسبة 70 بالمائة.
من خلال كل ما سبق، يتأكد كما قال السيد أويحي بأن المرحلة الخماسية الأخيرة بقيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كانت مرحلة ثرية بالإصلاحات والانجازات، حيث سمحت للجزائر بتجسيد تقدم ملحوظ في جميع المجالات.
وفي المقام الثالث، قال الوزير الأول أن السنوات العشرين الأخيرة سجلت نهضة وطنية حقيقية. حيث يعرض الملحق في البيان السياسة العامة جملة هائلة من الإنجازات التي توجت عملية إعادة بناء وطني حقيقية وقدم في إطار ذلك، ثلاثة أمثلة تعكس أهمية المسافة التي تم قطعها منذ سنة 1999.
يتعلق المثال الأول باستعادة السلم. حيث باتت الجزائر البلد الوحيد الذي تمكن من استعادة السلم والأمن كلية بعد تعرضه إلى مأساة وطنية، بل وتمكن أيضا من تحقيق مصالحة وطنية أصبحت بها الجزائر مرجعا عالميا.
ويتعلق المثال الثاني باسترجاع الاستقلال المالي بعدما كانت الجزائر سنة 1999 مثقلة بديون خارجية فاقت 30 مليار دولار. حيث مكنت الاستمرارية من التسديد المسبق لأزيد من 25 مليار دولار منها، ووضع حد للاستدانة الخارجية.
وقال الوزير الأول، مقارنا، ، تسبب سقوط سعر النفط منذ سنة 2014 في ركود اقتصادي لدى عدد من الدول المنتجة للنفط، وحتى في جرّ البعض منها إلى استدانة خارجية وإلى برامج إعادة الهيكلة، عكس الجزائر التي تمكنت من الصمود أمام تدهور أسعار النفط منذ 2014، بمواردها المالية الخاصة.
ويخص المثال الثالث والأخير التحولات العميقة التي عرفتها الجزائر منذ 1994، مجال التنمية الاقتصادية، حيث عرف برنامج الدعم العمومي للاستثمارات وللمنتجات الاستراتيجية وكذا للري في مجال الفلاحة يعطي نتائج تبعث على الارتياح. حيث بدأت الجزائر تتخلص تدريجيا من تبعيتها في مجال اللحوم والحليب والحبوب. مضيفا بأن الجزائر ستتجاوز الاكتفاء الذاتي بالنسبة لباقي المنتجات الفلاحية.
وأما في مجال الصناعة والخدمات، فقد السيد أويحي أن لمزايا التحفيزية الممنوحة على المستويين الجبائي وشبة الجبائي، وكذا القروض المحسنة، مكّنت من تحقيق عشرات آلاف المشاريع، ولاسيما منها الوطنية على اختلاف أحجامها. ومن جهة أخرى، باتت ثقة الشركاء الأجانب في الاستقرار السياسي وكذا القانوني ببلدنا تتزايد أيضا، مما جعل المشاريع المشتركة الكبرى تتضاعف سنة بعد سنة.
وفي مجال التنمية البشرية، فأوضح السيد الوزير الأول أن نسبة التمدرس أصبحت اليوم تقارب 100%، على غرار نسبة ربط البيوت بشبكة الماء الشروب وشبكات التطهير وشبكة الكهرباء. حيث باتت المنظمات الدولية اليوم تصنف الجزائر في صدارة بلدان منطقة المغرب العربي في مجال مؤشرات التنمية البشرية.
وقال السيد الوزير الأول أنه يحق للجزائريين أن ينظروا إلى المستقبل بحماس وتفاؤل كما يجب عليهم في الوقت ذاته المضي قدما بكل وعي وتبصر لإدراك ثقل تحديات الغد.
فعلى الصعيد الداخلي قال السيد أويحي أن هذه التحديات تتمثل في عواقب التقدم المعتبر الذي عرفته الجزائر وخاصة في مجال التنمية البشرية. لاسيما ما تفرضه الطموحات المشروعة للأجيال الصاعدة، في تجسيد كل متطلبات دولة الحق والقانون وكذا نظام الديمقراطية التعددية.
وتتمثل تحديات الداخلية، حسب الوزير الأول، في بلوغ مستوى حقيقي من التنوع والمنافسة في المجال الاقتصادي؛ بما يسمح للجزائر بخلق حجم كاف من مناصب الشغل لتغطية حاجيات الشباب، ويتيح لها من الموارد المالية ما يكفي لضمان ديمومة السياسة المطبقة في مجال العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني.
أما على الصعيد الخارجي، فتواجه الجزائر كما قال السيد أويحي، تحديات أخرى ذكر منها على سبيل المثال غياب الاستقرار وبؤر التوتر الإرهاب والجريمة، وغيرها من المخاطر التي تهدد جوارنا المباشر. كما ذكر التقلبات والمخاطر التي تحوم بالاقتصاد العالمي وخاصة تلك الرهانات التي تثقل آفاق السوق العالمية للطاقة.
وأمام هذه التحديات والرهانات، دعا الوزير الأول إلى مضاعفة الاصلاحات والتحولات، مؤكدا أن هذه التحديات تستوقف الجميع للعمل في ظل احترام تعدد المشارب والمناهل موضحا أن تاريخ الجزائر يشهد على قوة وفضائل تضافر الجهود وتوحيد الاتجاه، حيث كانت نفس هذه الصورة قبل سنوات فقط، عندما التف الشعب وجميع قواته السياسية والاجتماعية حول خيار الوئام ثم المصالحة الوطنية، من أجل استعادة السلم والاستقرار والتآخي والتنمية.
وأضاف متفائلا بأن للجزائر ستجني الثمار بعون الله لاسيما وأن ندوة الإجماع الوطني التي اقترحها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ستكون يدا ممدودة إلى جميع القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون أي استثناء، من أجل التحاور بحرية، بغية بلورة أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية واقتراح إصلاح دستوري يكون في مستوى التحديات والتطلعات.