في ختام الدورة الرابعة عشرة لمهرجان الموسيقى السيمفونية الدولي بالجزائر، شهد جمهور أوبرا الجزائر بوعلام بسايح سهرة موسيقية استثنائية جمعت بين العازف النمساوي المتألق يوري ريفيتش (Yury Revich) على آلة الكمان، والعازفة اليونانية-النمساوية ثيودوسيا نطكو (Theodosia Ntokou) على آلة البيانو، في أداء ثنائي مزج بين التقنية العالية والحسّ التعبيري الرفيع.
استُهل الحفل بمقطوعة شهيرة من الريبرتوار الباروكي، وهي “سوناتا ترِيل الشيطان” لغيّوسيبّي تارتيني، حيث قدّم الثنائي قراءة درامية تنقلت بسلاسة بين الحركات الأربع للسوناتا: من “لارجيتّو أفّيتوزو” العاطفي، إلى “أليغرو موديراتو” الحيوي، فـ”أندانتي” الهادئ، وصولًا إلى “أليغرو” الختامي، في تناغم خيالي بين الكمان والبيانو.
بعدها، قدّم ريفيتش مقطوعات من تأليفه الشخصي، منها “Choriner Wald” و”Violet”، إلى جانب “Prélude”، أظهر فيها نزعته النيوكلاسيكية المتميزة، وقدرته على صياغة لغة موسيقية تجمع بين الحداثة وجماليات المدرسة الرومانسية. هذه الفقرات، التي تمثل جانبًا من إنتاجه الغزير، شكّلت لحظة تعبير شخصي من الفنان الشاب الذي تصدر قوائم “Billboard Classic Ranking” بأعماله، كما سُمعت بعض مؤلفاته في موسيقى سلسلة “Bridgerton” على نتفليكس.
أما ذروة السهرة، فكانت مع “سوناتا رقم 2 في صول ماجور” للمؤلف الفرنسي موريس رافيل، التي أبدع الثنائي في تنفيذ حركاتها الثلاث: “أليغريتو” الأنيق، ثم “بلوز” بنفَسه الأمريكي المميز، وأخيرًا “بيربتويم موبايل” (الحركة الدائمة) التي ختمت العرض بزخم فني عالٍ وتناغم إيقاعي دقيق.
واختُتم البرنامج بتحفة “فانتازيا على كارمن” لبابلو دي ساراسات، وهي قطعة شهيرة مقتبسة من أوبرا “كارمن” لبـيزيه، تتطلب قدرات تقنية خارقة من عازف الكمان، وقد برع فيها ريفيتش بأسلوب مدهش، مدعومًا بمرافقة بيانية متوهجة من نطكو.
بهذا العرض الراقي، أكّدت النمسا مرة أخرى مكانتها كواحدة من أعمدة الموسيقى الكلاسيكية في العالم، وودّعت مهرجان الجزائر للموسيقى السيمفونية بلغة فنية جامعة بين الحداثة والتقاليد، جعلت من السهرة الأخيرة لحظة خالدة في ذاكرة جمهور الأوبرا.
محمد الطيب