مهما اختلف العلماء حول مكانة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بين فرض عين وفرض كفاية أو الجمع بينهما بحسب الحالة، الا ان دور هذا النهي والامر لا يمكن الاستغناء عنه أذا ما كانت هناك إرادة حقيقية لممارسة الرقيب على تسيير الشأن العام ومشاركة الجميع في الاستعمال الامثل للمال العام. الشيء الملاحظ مع النظام الحالي، وبواسطة ابواقه الاعلامية، أنه نجح الى حد بعيد –مستغلا بذلك تدهور صورة الربيع العربي وانتفاضة الشعوب العربية- في اختزال المعارضة وجعلها عبارة عن شرذمة من الخارجين عن القانون الذين لايريدون إلا ان يعيتوا في الارض فساد. وضع يجعل منه المنقد والحامي الوحيد للدولة ومؤسساتها تاكيدا لفكرة “انا ومن بعدي الطوفان”. لا يمكن الاحتجاج بعدم جدية المعارضة وافتقارها الى البدائل والحلول بعد كل الذي مورس ضدها من ضغوط ومضايقات ومنع من التواصل مع جميع شرائح ومكونات المجتمع. حتى وان لم ترق مقترحات المعارضة الى المستوى المطلوب، أو على الاقل ما يراد تسويقه للرأي العام، إلا أن دورها مهم في محاسبة ومراقبة عمل الحكومة في الوفاء بوعودها، والوقوف لها بالمرصاد إذا ما حادت عن جادة الصواب والانحراف بمصير الدولة والمواطن. فعملا بقوله (ص) “من رأى منكم منكرا فليغيره”، كان من الواجب على المعارضة القيام بهذه المهمة حتى وإن سلما على أنها فرض الكفاية إذا قام بها البعض سقط عن الباقين. لا يمكن تحقيق العدالة والرقي الاجتماعي من دون معارضة قوية قادرة على محاسبة من هو في سدة الحكم. عهد الرجل الخارق او الامام العادل القادر على تسيير شؤون المجتمع وبسط سلطانه على كل صغيرة وكبيرة قد ولى، وعلى المعلرضة تحمل مسؤوليتاتها في تعزيز النهي عن المنكر والامر بالمعروف في كل ما يمكن أن يحسن من الظروف المعيشية للمواطن، وليس فقط التركيز على الوصول الى السلطة بالرغم من مشروعية هذا الطموح. فشرعيتها تستمده من خلال العمل المتواصل في النهي عن الفساد وكل أنوع الظلم من جهة، والامر باحترام الحريات وتحقيق دولة القانون التي تكون التعبير الفعلي للامر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة أخرى. محاربة المعارضة وتخوينها سمة الانظمة الاستبدادية التي لا تذخر جهدا لابعاد ومنع كل الأصوات المغردة خارج السرب و المشككة في القرارات المتخذة في تسيير الشأن العام. ممارسات لا نجد لها وجود في الانظمة العادلة، حيث الاحزاب المعارضة تحظى باعتراف شعبي وحكومي، ولا أثر للتخوين أو الاقصاء التي تعانيه الاحزاب المعارضة في الانظمة المستبدة وكأنها جسم غريب عن الوطن. صحيح وأن خطاب بعض من المعارضة لا يتسم بالمسؤولية والحكمة من خلال الخطابات الشعبوية والوعود الكاذبة، بل وقد يصل بها الحد الى التطرف في المواقف، الا ان هذا لا يمنع من فسح المجال للاراء الموضوعية التي لا تبحث سوى عن ممارسة حقها المشروع في التعبير عن رأيها بغض النظر عن صوابه من خطأه. فإلى جانب الوصول الى السلطة كهدف وغاية كل حزب سياسي معارض، فلابد الا يقتصر نضاله على هذا الهدف وفقط، وان يتجاوز ذهنية العمل المناسباتي والمواعيد الانتخابية اذا ما اراد ان يكون غايته ارضاء الله وخدمة البلاد والعباد. احتكار الانظمة المستبدة للدين وللاسلام على وجه الخصوص، مكنها من اختزال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في العلاقة الفردية والمعاملات اليومية وإبعاده قدر الامكان عندما يتعلق الامر بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم والعمل السياسي بصفة عامة. في حين، نجد أن المنكر الذي قد يمارسه الحاكم أكثر ضررا بالمجتمع من ذلك الذي قد يحدث بين الأفراد. فالعمل الذي تمارسه المعارضة إن هو إلا ترجمة لمقولة “عندما سكت اهل الحق عن للباطل توهم اهل الباطل انهم على حق”. فهي لا تسكت عن المنكر حتى لا يتوهم أهل الباطل أنهم على حق، والأمر بالمعروف الذي يعود بالنفع للوطن والمواطن. القطبية التي تميز الفكر السياسي بين الغلو الاسلامي و التطرف العلماني في مجتمعاتنا غالبا مع يكون له أثره السلببي على عمل المعارضة والانقاص من دورها في المشاركة في الحياة السياسية لما قد يعود على النظام بالضرر عندما تحاسبه المعارضة على كل كبيرة وصغيرة. الاختلاف الايديولوجي الحاصل بين الاحزاب المعارضة لا يمنع من أن يصب جهدها في تعديل موازين القوى ضد السلطة التي تحاول أن تحتكر كامل السلطة الأمر الذي لا يترتب عنه سوى فساد وطغيانا أكثر مصداقا لقوله تعالى }وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ{.
بقلم حاج عيسى كوزي