في تصريح أثار موجة من الدهشة، وربما بعض الضحك المشوب بالدهشة، خرجت إحدى الممثلات الجزائريات بتصريح غريب، أكدت فيه أن الممثل لا ينبغي أن يسكن مع عامة الشعب في الأحياء الشعبية، بل يجب أن يعيش في إقامات فاخرة يتهافت عليها المصورون، وكأن الأمر بات قانونًا مقدسًا: كلما زادت شهرة الممثل، زادت المسافة التي تفصله عن المجتمع!
النجومية وفق “المعيار العقاري”
إذا كان التمثيل في العالم يعتمد على الموهبة، التدريب، والقدرة على تجسيد الأدوار بإتقان، فإن معايير النجومية الجديدة في الجزائر يبدو أنها تقيس الممثل وفقًا لعنوان إقامته، وعدد المصورين الذين يترصدونه عند مدخل العمارة، فهل أصبحت الموهبة تُقاس بعدد طوابق البناية؟ وهل يتحول أداء الممثل إلى تحفة فنية كلما زادت فخامة شقته؟
من “أبناء الشعب” إلى “النجوم المنعزلين”
لعل التصريح يجعلنا نتساءل: كيف يمكن لممثل أن يؤدي أدوار الشعب، وهو لا يعرف كيف يعيش الشعب؟ كيف يمكن لممثلة أن تجسد دور امرأة بسيطة، وهي لم تجرب يومًا أن تشتري الخبز من فرن الحي، أو أن تنتظر دورها في الطابور ؟ هل سيضطر المخرجون إلى تنظيم رحلات سياحية للممثلين إلى الأحياء الشعبية حتى يتعرفوا على البيئة التي يمثلونها؟
حياة النجوم.. بين الحلم والواقع
الحقيقة أن هذا التصريح يكشف فجوة غريبة بين بعض الممثلين والجمهور، فبينما يسعى الممثل العالمي للاندماج أكثر مع الناس، ومعايشة واقعهم حتى يكون أداءه مقنعًا، نجد البعض عندنا يؤمنون أن النجومية تعني العيش في برج عاجي، معزولين عن الواقع، وكأن اللمعان في عدسات الكاميرا يُفقدهم القدرة على رؤية المجتمع كما هو.
الممثل الجزائري.. فنان أم “برجوازي الدراما”؟
إن الفن في أصله رسالة، والممثل الناجح هو الذي ينقل نبض الشارع إلى الشاشة، ويعكس قضايا مجتمعه بصدق. أما من يرى أن الفن مجرد بطاقة عبور إلى حياة فاخرة وعناوين راقية، فالأفضل له أن يترك التمثيل ويتجه إلى عالم “الانفلونسرز” والترف الاستعراضي، حيث لا يحتاج إلى موهبة، بل يكفي أن ينشر صورة أمام مدخل إقامة فاخرة، مرفقة بعبارة: “أحبكم جمهوري العزيز!”
بين الفن الحقيقي والاستعراض الفارغ
في النهاية، يبقى الجمهور هو الحكم، والممثل الحقيقي هو الذي يحترم عقله ووجدانه، وليس جيبه وعنوانه. فإن كان النجاح في التمثيل يقاس بعدد المصورين أمام باب المنزل، فالأولى أن تمنح الجوائز السينمائية لشركات العقار، لا لأصحاب المواهب الحقيقية.
محمد الطيب