في مقال سابق تحت عنوان “حرب داخل أجهزة المخابرات المغربية: هجوم مفتوح على العرش بين الهمة والحموشي والمنصوري”، كنا قد أشرنا إلى حرب طاحنة تجري رحاها داخل أجهزة مخابرات المخزن، واليوم وفي تطور جديد، تطرق الخبير في الشؤون المغاربية والصحفي الإسباني إغناسيو سيمبريرو، في مقال له على صحيفة “إل كونفيدينشال” الإسبانية بعنوان “حرب الأجهزة السرية في المغرب: مكافحة التجسس تلاحق الجواسيس المارقين”، إلى الحملة القمعية التي يقودها عبد اللطيف الحموشي، رئيس مديرية مراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني، ضد العشرات من أقارب مهدي الحجاوي، الرجل الثاني سابقًا في جهاز المخابرات الخارجية المغربية (المديرية العامة للدراسات والمستندات) التابعة لياسين المنصوري. ومن بينهم محافظان اعتُقلا وسُجنا مؤخرًا. ويطال هذا القمع حتى عائلاتهم.
ياسين المنصوري تحت المجهر
يجد ياسين المنصوري، المعروف بدوره المحوري في فساد أعضاء البرلمان الأوروبي (ماروك غايت)، نفسه في مرمى مُنافسه عبد اللطيف الحموشي. وفي هذا الصدد، دعا موقع “برلمان” الذي أسسه سنة 2013 محمد خباشي، المدير السابق للاتصال بوزارة الداخلية المغربية والرئيس السابق لوكالة المغرب العربي للأنباء، والذي تم ذكره في مقالات “كريس كولمان”، والذي يزعم أنه ناطق رسمي باسم جهاز الأمن، قلنا، دعا السبت الماضي إلى فتح تحقيق في قضية ممتلكات ياسين المنصوري، رئيس المديرية العامة للدراسات والمستندات (المخابرات الخارجية) والذي غاب عن حفل معايدة الملك محمد السادس في تطوان بمناسبة عيد الأضحى المبارك، السبت 7 جوان الفارط.
منذ ذلك الحين، انتشرت شائعات بأنه بات من المغضوبين عليهم. وكان المنصوري، زميل دراسة محمد السادس، قد تولّى السلطة لعشرين عامًا، وكان من أقوى رجالات نظام المخزن.
أما مهدي الحجاوي كان قد فر من المغرب العام الماضي، أولاً إلى فرنسا ثم إسبانيا، قبل أن يصل إلى كندا، بحسب عدة مصادر لمعارضين للنظام مؤخراً، مؤسسي حزب المعارضة في الخارج، المُسمى “مغرب الغد”.
وأكد كلود مونيكيه، الضابط السابق في المديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE) الفرنسي، ورئيس المركز الأوروبي للاستخبارات والأمن الاستراتيجي (ESISC)، والمقرب من مهدي الحجاوي والذي يُقال إنه كتب مقدمة كتابه عن إخفاقات أجهزة المخابرات المغربية، في ماي الماضي، على وسائل التواصل الاجتماعي، أنه كان يشغل بالفعل منصب الرجل الثاني للمديرية العامة للدراسات والمستندات التي يرأسها ياسين المنصوري.
واشترى المنصوري عقارات في المغرب بقيمة 3.266 مليار يورو بين عامي 2022 و2023، بحسب الوثائق التي تم تسريبها والتي لم يتم نفيها قط وتم تداولها على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وخصص الصحفي المغربي علي المرابط، اللاجئ في برشلونة، تحليلا مطولا على قناته على يوتيوب، محاولا إثبات أن هذه الأموال لا يمكن أن تأتي من راتبه الذي يُعادل راتب وزير، بل جاءت من جهة أخرى.
القمع يشتد
تركز الآن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وهي قوة النخبة تحت قيادة عبد اللطيف الحموشي المسؤولة عادة عن التحقيقات الجنائية واسعة النطاق، على مزاعم المخالفات في تشغيل صالون التجميل “موسكي” في الرباط، المملوك لزوجة الهارب مهدي الحجاوي.
وفي إطار هذه التحقيقات، استدعت فرقة الشرطة القضائية، في نهاية المطاف، شقيقة زوجة الحجاوي، وأغلقت الصالون، واعتقلت مدير التخطيط العمراني ومدير الخدمات ببلدية الرباط، الذي منح رخصة الافتتاح، واستجوبت رئيسة بلدية الرباط، فتيحة المودني.
في المجمل، يوجد الآن ما يقارب عشرين ضحية جانبية في المغرب، نتيجة هروب الحجاوي واستمراره في التخفي في أوروبا. مع ذلك، تؤكد صحافة المخزن والمتحدثون الرسميون باسم السلطات أن الحجاوي كان لديه على الأقل متعاونان معروفان في الخارج. كما أن أقاربهم في المغرب مستهدفون من قبل لواء الشرطة القضائية.
الأول هو هشام جراندو، يوتيوبر مغربي مقيم في مونتريال، كندا، يهاجم السلطات في الرباط، ناشرًا معلومات عن فضائح فساد، مدعومًا بوثائق يعرضها أمام الكاميرا. أحد مصادره هو الحجاوي نفسه، الذي ينتقم بهذه الطريقة.
حُكم على هشام جراندو غيابيًا بالسجن 15 عامًا من قِبل محكمة بالرباط. وحُكم على سبعة من شركائه بالسجن لمدد تتراوح بين شهرين وثلاث سنوات بتهمة التواطؤ مع المُشهِّر المزعوم. ومن بينهم ابن أخيه، الذي سيقضي ثلاث سنوات سجنًا، وصهره، الذي حُكم عليه بالسجن عامين.
قبل الحكم على ابنه هادي بالسجن عامين، نشر مصطفى عزيز، الملازم السابق عند ياسين المنصوري، عدة مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أعرب فيها عن عدم فهمه وسخطه إزاء توجيه الرباط ضربة قاصمة لشخص مثله، الذي خاطر بحياته بالدفاع عن مصالح بلاده سرا.
ووصفت الصحافة الموالية للمخزن عزيز بأنه “هارب مدان بالاحتيال”، متذكرة عملية احتيال ارتكبها قبل سنوات من خلال إحدى شركاته.
وحسب مصدر استخباراتي أوروبي، يهدف الحموشي إلى إجبار الحجاوي على الصمت، أولاً لأنه يمتلك معلومات عن استخدام المغرب لبرنامج بيغاسوس، ثم العودة وتسليم نفسه.
وكان عبد اللطيف الحموشي قد حاول إعادته من إسبانيا خلال رحلته السرية في يناير الماضي، حيث التقى ب”فينانسيرو جينوفا”. وكان الهدف هو استعادة مهدي الحجاوي واستخدامه ضد منافسيه ياسين المنصوري وفؤاد الهمة، اللذين يُزعم أنهما التقيا باليوتيوبر هشام جيراندو في بروكسل.
زكرياء حبيبي