و يحدث أن تنتحر كل الكلمات على نهاية القلم حين نريد أن نكتب من أجل الكتابة فقط … و لو تحدى احد هذه القاعدة … وضع بين أيدي القراء طبقا مركز الدهون …سيصيب القراء بالغثيان الفكري … ويحدث أحيانا أن تنهال الأفكار من كل صوب عليك …فلا تجد قلما ولا ورقا ولا هاتفا لتدونها … هذه مفارقات الكتابة … صرت أشعر مؤخرا بعقم فكري … و لست من عشاق ركوب التيار … لا تجذبني المواضيع الآنية … مكالمة اردوغان عبر ”السكايب” !!! … و خروج الشعب التركي ضد الإنقلاب … أعتبره موضوعا تافها … حين أخرج للشارع و أجد القاذورات تتراكم عند بيوتنا …عاجزون نحن على تنظيف شارعنا … مسارعون لتحليل الأوضاع في تركيا …التي لم نزرها بعد !!! ولم نكن نعلم بوجودها أصلا لولا ”مهند” و ”لميس” … !!! و أنا أطالع أحد المقالات لقلم الأنسة ”مريم سعيداني” …في ذات الموقع الذي تزوره الأن ”الطريق نيوز” …تحت عنوان …'” إيكولوجيا الأخضر البلاستيكي “… التي تطرقت فيه إلى الفروق الشاسعة بين الريف و المدينة …حسب ما فهمت … تاركة أسئلة كثيرة للقراء … ما سبب جفاف المدينة من الأخضر …ما السر وراء عذرية الريف … لماذا و متى و كيف تم اغتصاب المدينة ؟؟…. حرك هذا الموضوع و هذا الطرح في مخيلتي الغريبة أفكار … تزاوجت مع بعض مما قرأته في أحد الكتب لأنيس منصور … مقال بعنوان حديقة الانسان …خلفت مولودا كان أفضل إجابة لكل هذه التساؤلات التي تركتها الآنسة “مريم سعيداني” بين أسطر مقالها … المدينة هي حديقة الإنسان …. زحم في المحطات … في الطريق … في الحافلة في النزول و الصعود … الكل متسرع و مسرع … في المدينة يتعجلون الحياة و يستعجلون الموت …لا أحد يبالي بأحد …نفسي نفسي …و يعلق شيخ في التسعين … المدينة غابة !!! نعم الرؤية صحيحة يا جدي لكن …التعليق خاطئ … المدينة غابة من الإسمنت المسلح … أو بالأحرى حديقة الإنسان !!! الإنسان مسجون في المدينة …لكن ليس بأقفاص حديدية …بل هي أقفاص النظم الاجتماعية التي اختارها هو …و هي نقطة أخرى تحسب عليه … فهو من وضع نفسه في هذه الحديقة… و ربط المعيشة في المدينة بمبدأ القضاء على كل ما هو أخضر … ظنا منه أن ذاك هو التمدن … و أن العشب و الاخضرار رمز من رموز الريف …الذي هرب منه !!! و لا يريد أن يذكره بالريف …كابوس لابد من القضاء عليه … فحديقة الحيوان …توفر للحيوانات الأكل و العلاج و الأمن …و بالصدفة هذا ما يفكر فيه سكان المدينة … و حين تضيق به السبل … و يحاصره الإسمنت … و يخنقه دخان المصانع و السيارات … يحن لذلك الأخضر …فيحمل عائلته و يشق طريقه بحثا عن الأخضر الذي لن يجده إلا في الريف …الذي هرب من ذات ليلة !!!
بقلم محمد ولاج