لطالما مرت العلاقات الجزائرية الفرنسية بمراحل من التذبذب والفتور، خاصة في العشرين سنة الماضية، لكن لم تشهد مثل هذا التصعيد على المستويين السياسي والإعلامي.
فالجدير بالذكر أن هناك بعض الأطراف من الجانب الفرنسي جعلت من هذه العلاقات تأخذ منحى خطيرًا، نذكر منها اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان وإريك زيمور وغيرهم من الساسة الفرنسيين الذين كانوا وما زالوا يعضون أصابعهم على “الحلم الضائع” برؤية الجزائر فرنسية.
هذا الحلم ما زال يراود أبناء ديغول لحد اللحظة، لأن الفكر الاستعماري هو المحرك الرئيسي لسياستهم، خاصة في ظل التململ والتقهقر السياسي الذي تشهده فرنسا تحت حكم الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، الذي يعيش تحت وطأة اليمين المتطرف الذي يتمتع بكل الدعم المادي والمعنوي من طرف اللوبي الصهيوني والمخزني المتغلغل داخل دواليب السلطة.
فأخطاء ماكرون السياسية كان وسيكون لها تأثير سلبي جدًا على حاضر ومستقبل فرنسا الرسمية التي فقدت ثقلها على المستوى المحلي والإقليمي وحتى الدولي.
هذا الواقع السياسي المتردي فسح الطريق على مصراعيه أمام بعض السياسيين المتشبعين بالفكر المتطرف لكي يفسدوا علاقات متشعبة مع جزائر مختلفة تسعى إلى بناء علاقات مبنية على الاحترام المتبادل وليس على الكيد والكيل بمكيالين.
تصريح ماكرون الأخير خلال لقاء جمعه مع سفراء وديبلوماسيي فرنسا في العالم لم يكن بذلك التصريح الموفق، لأنه في حقيقة الأمر وحسب معلومات مؤكدة، كان نتيجة ضغوطات رهيبة من طرف اليمين المتطرف الذي دفعه إلى قول كلام غير مسؤول.
الهدف من وراء ذلك لم يكن إيذاء الجزائر بقدر ما كان تلبية لرغبة عصبة متحكمة في القرار السياسي الفرنسي، والتي تعمل ليلا ونهارًا على قطع العلاقات بين البلدين لصالح أجندة صهيونية مغربية.
*قضية الكاتب بوعلام صنصال:*
الكاتب بوعلام صنصال المعروف بقربه من اللوبي الصهيوني المغربي ومنه إلى اليمين المتطرف، أدلى بتصريحات خطيرة في حق الجزائر ترابًا وحكومةً وشعبًا، الأمر الذي دفع العدالة الجزائرية إلى محاكمته ووضعه تحت الحبس الاحتياطي.
في قضية أقل ما يقال عنها أنها قضية تخص الجزائر فقط، لأنه مواطن جزائري وحامل لجواز سفر جزائري، وقد حكم عليه من طرف العدالة الجزائرية.
لكن التأويلات السياسية من هنا وهناك جعلت منه قضية رأي عام، وذلك بسبب دخول بعض الأطراف في فرنسا، خاصة اليمين المتطرف، الذي حاول إعطاء صبغة سياسية لقضيته من أجل ضرب الدولة الجزائرية ومؤسساتها السيادية.
فاليمين المتطرف حاول الاستثمار في قضية بوعلام صنصال عبر ذلك الزخم الإعلامي من أجل تشويه صورة الجزائر وتصويرها على أنها دولة لا تحترم حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، وهذا كما عودتنا عليه بعض المنظمات غير الحكومية التي تخدم أجندة مموليها.
الغريب في الأمر أن فرنسا الرسمية وحتى عرابي اليمين المتطرف تفاجأوا بعدم وجود أصوات داعمة لبوعلام صنصال داخل الجزائر، بل بالعكس، هناك رأي شعبي واحد موحد على ضرورة محاكمته محاكمة عادلة جراء تطاوله على مقومات الدولة الجزائرية.
هناك فريق آخر من المثقفين يرى أن وضع بوعلام صنصال رهن الحبس الاحتياطي كان قرارًا من الممكن تفاديه نظرًا لعمره المتقدم ومرضه المزمن، أي إنه كان من الأجدر وضعه تحت الرقابة القضائية مع استكمال التحقيق معه خارج السجن.
وعليه، نقول إن وحدها العدالة الجزائرية تقرر في قضية الكاتب بوعلام صنصال.
*قضية المغترب الجزائري بوعلام نعمان* الذي رفضت الجزائر استقباله بعد ترحيله من فرنسا
إن قرار الجزائر سيد ولا يمكن بأي حال من الأحوال مناقشته، لأن بيان الخارجية واضح، خاصة بعد ثبوت أن هناك تعسفًا من طرف الإدارة الفرنسية ضد هذا الرعية الجزائري.
هذه القضية أثارت لغطًا كبيرًا داخل فرنسا، خاصة بعد التصريحات غير المسؤولة لكل من وزير الداخلية والخارجية الفرنسيين اللذين اتفقا على القول بأن الجزائر لم تحترم فرنسا، وأن هذه الأخيرة سوف تقوم بالرد بكل الوسائل المتاحة، خاصة فيما يتعلق بملف التأشيرات وإلغاء دعم التنمية واتفاق 1968…
لكن الأمر الخطير هو تصريح السفير الفرنسي السابق الذي دعا فيه وزير الداخلية والدولة الفرنسية إلى منع شركة الخطوط الجوية الجزائرية من دخول فرنسا، ومن ثم أن تقوم الجزائر بالمثل، مما يؤثر على حركة الجزائريين بين البلدين.
فكزافي ديرويانكور يهدف إلى خلق بلبلة داخل الجالية الجزائرية في فرنسا من أجل دفعها إلى التنديد بسياسة الحكومة الحالية في الجزائر واعتبارها المسؤولة الوحيدة عن تدني العلاقات، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام عودة المظاهرات داخل وخارج الوطن.
وعليه، فإن الخطاب السياسي لليمين المتطرف يراد منه تغليط الرأي العام الجزائري داخل وخارج الوطن وضرب الثقة بين الشعب والحكومة الجزائرية من أجل خلق الفوضى الخلاقة.
*بقلم لمين مغنين*