زكرياء حبيبي
إن الإعلان، الأحد 02 مارس، عن عدم مشاركة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في القمة العربية الاستثنائية المقررة يوم الثلاثاء 04 مارس في القاهرة والمخصصة لغزة، هو رسالة واضحة لا لبس فيها إلى الزعماء العرب الذين يعتزمون الاستسلام للهيمنة الصهيونية لإنقاذ عروشهم، وإدانة لمن يُريدون تقديم نصر سياسي للكيان الصهيوني المهزوم عسكريا بمقاومة بطولية وتضحيات الشعب الفلسطيني.
وباستباقها هذا، وضعت الجزائر الزعماء العرب الذين أعدوا بيانا وإعلانا يهدفان إلى قبر القضية الفلسطينية، أمام مسؤولياتهم أمام شعوبهم وأمام التاريخ.
إن الجزائر لا تُريد أن تشارك بأي شكل من الأشكال في مؤامرة جديدة ضد الشعب الفلسطيني، على غرار مؤامرة إعلان بلفور، وتقسيم فلسطين سنة 1947، وهزيمة حرب يونيو 1967، إلى النصر العسكري العربي في أكتوبر 1973 الذي تحول إلى هزيمة سياسية تجسدت باتفاقية السلام بين الكيان الصهيوني ومصر، ثم التطبيع مع الأردن وبعد ذلك مع دول مثل الإمارات والبحرين والمغرب، مروراً برضا بعض القادة العرب عن العدوان الصهيوني على لبنان عام 1982، وما رافقه من مجازر صبرا وشاتيلا، فضلاً عن حروب الإبادة الجماعية التي شنت ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، الذي حُكم عليه بالعيش تحت الحصار لمدة عقدين من الزمن.
وعلى غرار القمة العربية في بيروت عام 2002، حيث حاول بعض القادة العرب قبر القضية الفلسطينية، رغم تبني خطة السلام العربية التي أطلقها الملك عبد الله (السلام مقابل الأرض) وتوقيع اتفاقيات أوسلو قبل 32 عاماً، والتي مهدت الطريق لحل الدولتين وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، فإن هذه القمة العربية الاستثنائية في القاهرة، التي سيخصص جدول أعمالها لإعادة إعمار قطاع غزة، لن تكون إلا آلية لتقديم نصر سياسي للكيان الصهيوني.
فإرسال قوة عربية لحفظ السلام في قطاع غزة من خلال خطة نزع سلاح قوى المقاومة الفلسطينية، كما كشفت بعض وسائل الإعلام الصهيونية والعربية، لن يؤدي إلا إلى ترسيخ مشروع إسرائيل الكبرى الصهيوني العزيز على اليمين المتطرف الصهيوني، وفتح الطريق أمام حربا جديدة بين العرب والفلسطينيين.
وإدراكا منها بأن الكيان الصهيوني لم يحترم أي تعهد منذ 1948، حذرت الجزائر بصوت رئيسها في 18 أغسطس 2024 من قسنطينة، الإخوة المصريين من نوايا الكيان الصهيوني في الإبقاء على وجوده العسكري في ممر فيلادلفيا، في انتهاك لاتفاقيات السلام بين القاهرة وتل أبيب.
والجزائر التي تتمتع بحضور قوي داخل مجلس الأمن الدولي، ولا تدخر جهدا في دعم القضية الفلسطينية، من خلال الاعتراف بفلسطين عضوا كاملا داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن خلال مداخلات ممثلها عمار بن جامع للتنديد بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، لها الشرعية وكل الحق للتنديد بتهميشها كدولة محورية في المنطقة خلال التحضيرات لهذه القمة الاستثنائية بالقاهرة يوم الثلاثاء 4 مارس.
والجميع يتذكر أن الجزائر عملت جاهدة على لم شمل الصف الفلسطيني في أكتوبر 2022 (إعلان الجزائر) قبل أيام قليلة من انطلاق القمة العربية في الجزائر، تزامنا مع التاريخ الرمزي لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954 المجيدة، والتي كُرّست للقضية الفلسطينية، التي حاول البعض قبرها، لتبرير تطبيعهم مع العدو الصهيوني.
تطبيع ثبت عدم صحته على أرض الواقع، في أعقاب العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وإبادة الشعب الفلسطيني الذي يُواجه اليوم خطة الترحيل، أو حتى بناء سجن كبير اسمه غزة، وداعميه وسجانيه هم العرب الذين أعدوا للقمة الاستثنائية في القاهرة الثلاثاء المقبل، والذين ينوون إرضاء دونالد ترامب بالكامل بمشروعه “ريفييرا غزة” كما أرضوه بالفعل من خلال إقرار “صفقة القرن” واتفاقيات إبراهيم لتصفية القضية الفلسطينية.
إن هذا النهج الهادف إلى تهميش العديد من الدول العربية سوف يؤدي بالتأكيد إلى ترسيخ الانقسام العربي، مما يصب في صالح المخططات الصهيونية للهيمنة، وقد يكون في المستقبل القريب عاملاً أساسياً في ثورة الشعوب العربية ضد الزعماء العرب المُتملقين والمُنبطحين، والمأجورين بالكامل للمجرمين الصهاينة.