ااحتضن قصر الثقافة “مفدي زكريا”، اليوم الخميس 17 أفريل 2025، فعاليات الملتقى الوطني حول العمارة والتراث، المنعقد تحت شعار: “الحفاظ على الإرث العمراني والمعماري وبناء المستقبل”، في مبادرة تسعى إلى ترسيخ الوعي بأهمية التراث المعماري كرافعة للتنمية المستدامة وهوية حضرية متجددة.
الموعد الذي جمع معماريين، مخططين حضريين، أكاديميين وطلبة من مختلف الولايات، تميز بحضور خبراء دوليين قدّموا نماذج وتجارب من بيئات متنوعة، فتقاطعت الرؤى حول سبل حماية التراث العمراني وسط تحديات التوسع العمراني والتغيرات المناخية، مع التأكيد على ضرورة تطوير أدوات جديدة تجمع بين الحداثة والأصالة.
في كلمتها الافتتاحية، شددت نوال دحمّاني، مديرة الدراسات الاستشرافية بوزارة الثقافة، على أن العمارة ليست ترفًا بصريًا، بل اختزال للذاكرة الجماعية وتجسيد لهوية المكان. من هذا المنطلق، اعتبرت أن الاستثمار في حماية الإرث العمراني يجب أن يُنظر إليه كخيار استراتيجي، وليس كمجرد واجب ثقافي.
من بين أبرز المداخلات، عرضٌ قدّمه المعماري والأكاديمي عايش بوسعد، تناول فيه تطور العمارة الجزائرية في القرن العشرين، رابطًا بين مسارات التحديث والحفاظ على الطابع المحلي، كما سلط الضوء على رموز معمارية ساهمت في تشكيل وعي عمراني وطني.
التجربة السنغافورية حضرت بقوة من خلال مداخلة الأستاذ كيلفن تان، الذي كشف عن آليات تكامل السياسات العمومية والمبادرات الخاصة في إعادة تأهيل النسيج العمراني لسنغافورة، مستعرضًا مثال حيّ لدمج التراث في سياسة حضرية متقدمة.
عبر تقنية التحاضر عن بعد، أضاء الدكتور كين يانغ من ماليزيا على مسارات الهندسة البيئية في العمارة، داعيًا إلى دمج الاستدامة كعنصر جوهري في حماية التراث. بينما ركّزت المهندسة سيرينا كاستوري على أهمية دمج الرموز الثقافية في مشاريع حديثة، مقدمة نماذج تعاون ناجحة، من بينها شراكات مع مكتب “زها حديد”.
الملتقى شهد أيضًا مداخلة كيلفن آنغ، من الهيئة الوطنية لإعادة التنمية الحضرية، حول “الحفاظ الذكي” على الأحياء القديمة، حيث أبرز كيف يمكن للتكنولوجيا أن تدعم حماية التراث دون تجريده من روحه.
الطابع الأكاديمي للملتقى تجلى من خلال الحضور الكثيف للطلبة والباحثين، ما أضفى بعدًا شبابيًا وديناميكيًا على النقاشات، وأبرز وعيًا متزايدًا بضرورة انخراط الجيل الجديد في معارك الحفاظ على الذاكرة المعمارية.
واُختتمت الأشغال بجلسة نقاش مفتوحة، سمحت بطرح تساؤلات عملية حول سبل التوفيق بين ضرورات التطوير الحضري ومتطلبات صون التراث، في أفق بلورة رؤية شاملة تؤمن بأن حماية الماضي لا تعني تجميده، بل توظيفه كطاقة مستقبلية متجددة.
محمد الطيب