انتشر خلال الأيام الماضية على منصات التواصل الاجتماعي، وخصوصًا على فيسبوك، مقطع فيديو قصير يُزعم أنه يُظهر “اعتداءً من جنود جزائريين على مدنيين صحراويين”، حيث يسمع في الخلفية صوت أحد الأشخاص وهو يصرخ قائلاً: “أريد العودة إلى المغرب”. الفيديو أثار ضجة واسعة وردود فعل متباينة، بين من صدّق محتواه ومن شكك في صحته.
لأجل الوقوف على الحقيقة، أخضعنا الفيديو لتحليل معمق باستخدام أدوات متخصصة في التحقيق الرقمي، منها منصة InVID الشهيرة لفحص مصداقية المحتوى المرئي، بالإضافة إلى برنامج Audacity لتحليل الموجات الصوتية، وكان الهدف هو التحقق مما إذا كان الفيديو يوثق فعلاً لحادث ميداني أم أنه مفبرك.
المعطيات التقنية: الصوت أُضيف لاحقاً
عند تفكيك البيانات الوصفية (Metadata) للفيديو، تبيّن أن تاريخ إنشاء الفيديو يعود إلى الخميس 10 أفريل 2025 على الساعة 00:00:37، في حين أن المقطع الصوتي أُنشئ قبل ذلك بـ16 دقيقة، تحديدًا الأربعاء 9 أفريل 2025 على الساعة 23:44:08. هذا الفارق الزمني دليل دامغ على أن الصوت لم يكن جزءًا أصيلاً من التسجيل المصور، بل أُضيف إليه بعد حفظ النسخة الأصلية من الفيديو.
وقد استُخدم في تركيب الصوت ترميز صوتي من نوع mp4a.40.5، وهو ترميز صوتي منخفض الجودة يُستخدم غالبًا في عمليات التحرير البسيطة وغير الاحترافية. أما الفيديو، فقد استُخدم فيه ترميز vp09.00.21.08، الشائع في فيديوهات الويب، ما يشير إلى أن الملف قد يكون مرّ عبر معالجات ضغط أو تعديل قبل نشره.
فحص التزامن: لا تطابق بين الصوت والصورة
باستخدام Audacity، قمنا بتحليل الموجات الصوتية ومقارنتها بحركات الشفاه في الفيديو، وتبين وجود عدم تطابق واضح، لم تتحرك شفاه أي من الأشخاص المتواجدين في المشهد بطريقة تتناسق مع الجملة المنطوقة، ما يعزز فرضية تركيب الصوت في مرحلة لاحقة. كما سُجلت “قفزات صوتية” خفيفة ونبرة غير متسقة، كلها علامات تشير إلى التلاعب.
البعد الإعلامي والتقني للفبركة
هذا النوع من التلاعب لا يُعد جديدًا في عالم المحتوى الرقمي، لكن خطورته تكمن في سرعة انتشاره وسهولة تصديقه، خصوصًا عندما يُستخدم في سياقات سياسية حساسة مثل قضية الصحراء الغربية. المحتوى المفبرك لا يخدم إلا التوتر، ويغذي الخطاب العدائي دون أن يُقدّم أدلة ميدانية صلبة.
المثير للقلق أن هذا الفيديو استُخدم على صفحات ومجموعات تنشط في حملات تشويه إعلامي ممنهج، دون الإشارة إلى مصدره أو تقديم نسخة خام منه. عدم توفر النسخة الأصلية (غير المعدلة) هو بحد ذاته دليل إضافي على عدم مصداقية المقطع.
الفيديو الذي يظهر “اعتداء الجيش الجزائري على مدنيين صحراويين” ثبت فنيًا، ومن خلال التحليل الرقمي، أنه مفبرك، إذ أُضيف الصوت إلى نسخة الفيديو بعد مرور 16 دقيقة على إنشائه، دون تزامن حقيقي بين الصورة والصوت، إن هذه النتيجة تسقط مصداقية الفيديو بالكامل، وتحوله إلى أداة تضليل هدفها الأول والأخير التلاعب بالرأي العام الدولي.
تحقيق: محمد الطيب