مع اقتراب انتهاء الموسم الرمضاني، عادت الدراما الجزائرية إلى قلب الجدل، لكن هذه المرة ليس بسبب جودة الأعمال أو مستوى الإبداع، بل بسبب حملات التشويه والتنمّر التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة عبر صفحات فيسبوكية تتبنى خطابًا هجوميًا متكررًا ضد نفس الممثلين ونفس الأعمال. غير أن اللافت في الأمر هو التشابه الكبير بين هذه المنشورات، مما يثير تساؤلات حول إمكانية أن تكون هذه الحملة مدفوعة الأجر، أو مدفوعة بأجندات لا علاقة لها بالنقد الفني الحقيقي.
صراع الإنتاجات: من المنافسة إلى التشويه
لطالما كانت المنافسة بين شركات الإنتاج أمرًا طبيعيًا في أي صناعة إبداعية، حيث تسعى كل جهة إلى تقديم الأفضل لجذب الجمهور وتحقيق النجاح. لكن في السنوات الأخيرة، بدأ المشهد يتغير، فلم تعد المنافسة تقتصر على جودة الأعمال، بل تحوّلت إلى حرب خفية تدور على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تُستخدم الصفحات الفيسبوكية كأداة لتصفية الحسابات بين المنتجين والقنوات وحتى الممثلين.
بعض المؤشرات التي تدعم هذا الطرح:
الهجوم الانتقائي: الصفحات التي تهاجم المسلسلات الجزائرية لا تستهدف جميع الأعمال، بل تركّز على إنتاجات معينة، مما يثير الشكوك حول وجود دوافع خفية وراء هذه الحملة.
تشابه المحتوى: بعض المنشورات المتداولة تكاد تكون متطابقة في صياغتها، ما يوحي بأنها قد تكون موجهة أو ممولة من جهة معينة.
التركيز على ممثلين محددين: هناك وجوه فنية معينة تتعرض للانتقادات أكثر من غيرها، ما قد يعكس وجود خلافات شخصية أو مهنية بين هذه الأسماء وبعض الجهات المنتجة أو الإعلامية.
الترويج غير المباشر لأعمال أخرى: في بعض الحالات، تهاجم هذه الصفحات مسلسلًا معينًا، لكنها في المقابل تشيد بعمل آخر، مما قد يكون جزءًا من خطة مدروسة لدفع الجمهور إلى اختيار إنتاج معين على حساب آخر.
التأثير على الجمهور وصناعة الدراما
لا يخفى على أحد أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت المنصة الأولى لصنع الرأي العام، خاصة مع تراجع تأثير الصحافة الفنية التقليدية. في ظل هذه المعطيات، يمكن لحملة منظمة على فيسبوك أن:
تشوّه سمعة عمل فني حتى قبل مشاهدته، ما يؤثر على نسب مشاهدته وإمكانية نجاحه.
تضغط على الممثلين والمخرجين نفسيًا، مما قد يؤثر على أدائهم أو يجعلهم يفكرون في الانسحاب من المشهد الفني.
تؤثر على قرارات القنوات التلفزيونية، التي قد تتردد في التعاقد مع أسماء معيّنة خوفًا من الجدل الذي يرافقهم.
من المستفيد؟
إذا كانت هناك جهة إنتاجية تقف وراء هذه الحملات، فمن المرجح أن الهدف الأساسي هو إضعاف المنافسين وتشويه صورتهم أمام الجمهور. وربما تكون هذه الظاهرة مرتبطة بـ:
إنتاجات جديدة تحاول فرض نفسها عبر تقليل فرص نجاح الأعمال المنافسة.
صراع على التمويلات والإعلانات، حيث تسعى بعض الجهات إلى كسب دعم الرعاة عبر التشكيك في شعبية إنتاجات أخرى.
خلافات شخصية أو مهنية بين المنتجين والممثلين، حيث قد تستغل بعض الجهات هذه الصفحات لتصفية حساباتها مع فنانين أو مخرجين بعينهم.
الحل: نحو نقد مهني بعيد عن التلاعب
في ظل هذه الفوضى الرقمية، يبقى الحل الأمثل هو:
إعادة الاعتبار للنقد الفني المتخصص، عبر الصحافة الثقافية والمنابر الجادة التي تقدم تحليلاً حقيقيًا بعيدًا عن التوجيه العشوائي.
تشجيع الجمهور على التمييز بين النقد الحقيقي والحملات المشبوهة، من خلال التفكير النقدي وعدم الانسياق وراء الموجات الرقمية دون تدقيق.
مكافحة التشويه الممنهج عبر وسائل قانونية، خاصة إذا ثبت أن بعض الصفحات الفيسبوكية تعمل وفق أجندات مدفوعة.
لم تعد المنافسة في الدراما الجزائرية تقتصر على جودة السيناريو والإخراج، بل أصبحت ساحة معركة رقمية، حيث تستخدم بعض الجهات أسلحة جديدة، ليس من أجل الإبداع، بل من أجل إسقاط المنافسين. وبينما يتشكل الرأي العام اليوم على منصات التواصل الاجتماعي، يبقى السؤال: هل يدرك الجمهور أنه قد يكون مجرد أداة في حرب لا علاقة لها بالفن؟
محمد الطيب