يشهد الموسم الرمضاني لعام 2025 في الجزائر حضورًا لافتًا لموضوع الصحافة في عدد من المسلسلات، حيث تم تقديم شخصيات صحفية تؤدي أدوارًا مفصلية ضمن السياقات الدرامية والكوميدية. غير أن هذه الأعمال، رغم نيتها تسليط الضوء على مهنة الصحافة، كشفت في كثير من الأحيان عن سطحية في المعالجة وضعف في التمثيل الواقعي لهذه المهنة، ما جعل المتابعين، وخاصة الصحفيين أنفسهم، ينتقدون هذه الصورة النمطية والمغلوطة التي قُدّمت للجمهور.
مشاهد لا تعكس الواقع الصحفي
من بين الملاحظات التي أثارت الجدل في الأوساط الإعلامية، ظهور إحدى الصحفيات في مكتب فخم للغاية، أشبه بمكاتب الكتاب في ثمانينيات القرن الماضي، وهو ما اعتبره البعض تناقضًا واضحًا مع الواقع الحالي لغرف التحرير الصحفية، حيث يعمل الصحفيون في مكاتب مزدحمة، وأحيانًا في ظروف صعبة، وليس في أجواء مترفة كما حاولت الدراما تصويرها.
أما في إحدى السلاسل الكوميدية التي حاولت تقديم محاكاة ساخرة لجريدة محلية في مدينة خيالية، فقد كان التناول العام للمهنة سطحيًا ومفتقرًا للتفاصيل الدقيقة التي تعكس طبيعة العمل الصحفي اليومي. فالمسلسل لم يتطرق إلى طبيعة التحديات التي يواجهها الصحفيون، مثل الضغط المهني، السباق مع الزمن لنشر الأخبار، والتحقيقات الصحفية، بل اكتفى بصور نمطية لم تلامس الواقع بأي شكل.
غياب البحث الميداني في بناء الشخصيات
ما يثير التساؤل أكثر هو ما إذا كان الممثلون والمخرجون وكاتب السيناريو قد بذلوا أي جهد في البحث الميداني لفهم طبيعة العمل الصحفي قبل الشروع في تصوير هذه الأعمال. فمن الواضح أن معظمهم لم يقتربوا من قاعات التحرير، ولم يحاولوا معايشة الصحفيين في يومياتهم، وهو ما انعكس على الأداء غير الواقعي لشخصيات الصحفيين، سواء في طريقة تعاملهم مع الأخبار، أو في بيئة عملهم، أو حتى في الحوارات التي افتقدت للكثير من المصطلحات والمفاهيم التي يستخدمها الصحفيون الحقيقيون.
مهنة الصحافة بين التبسيط المخل والطرح الكاريكاتوري
في حين كان من الممكن أن تشكل هذه الأعمال فرصة لتقديم صورة واقعية وحقيقية عن مهنة الصحافة في الجزائر، إلا أن أغلبها وقع في فخ التبسيط المخل، أو الطرح الكاريكاتوري الذي يفتقد للجدية. وهو ما يعكس مشكلة أعمق في الدراما الجزائرية، حيث لا يتم منح المهن المختلفة – ومنها الصحافة – حقها في البحث والدراسة قبل تجسيدها على الشاشة.
ضرورة الاستعانة بمستشارين متخصصين
إذا أرادت الدراما الجزائرية تقديم صورة أكثر واقعية عن الصحافة، فإن الحل يكمن في الاستعانة بمستشارين صحفيين محترفين أثناء كتابة السيناريو وتصوير المشاهد المتعلقة بالمهنة. فكما يتم اللجوء إلى مختصين عند تقديم شخصيات أطباء أو محامين لضمان دقة الأداء، فإن الصحفيين يستحقون أيضًا أن يُقدَّموا للجمهور بصورة تحترم طبيعة مهنتهم بدلًا من إسقاطهم في قوالب نمطية غير واقعية.
لقد أظهرت الدراما الرمضانية الجزائرية لهذا العام أن تناول مهنة الصحافة ما زال بعيدًا عن الاحترافية، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى اهتمام صناع الدراما بالتفاصيل الواقعية عند تصوير المهن المختلفة. فالمشاهد الجزائري لم يعد يقبل بالصور السطحية، بل يتطلع إلى أعمال تعكس الواقع بدقة، وتحترم ذكاء الجمهور ومعرفته بالميدان.
محمدالطيب