كم صارت قيمة الصحفي في سوق الرِّق والضلالة أشتري واحدا؟! على هذا النحو تساءل أحدهم ساخرا. بالنسبة للبعض سَتتَّقِد مشاعر الأنَفة والغضب وتُبعَث مِن رمادٍ خامدٍ عند قِراءة هذا السؤال العقلاني والاستفزازي.
في الحقيقة كان هذا السؤال لِيُطرح قبل اليوم لَولا أحادية الإعلام فيما مضى وغياب وسائط التواصل الحديثة.. لم تنقلِب على عَقِبَيها إنما عادت قاعات التحرير في الجزائر كما كانت في البدء مجرد مُعتَقلات بِديكُور مُرتَّب يكون الصحفي فيها سجين المواضيع التي يختارها له الحاكم بعناية، وسجين النص الذي كتبه تحت إملاءات سَجَّان أنيق يلبس زي الكومبا الخضراء أحيانا وسجين النص الذي يدفع صاحبه أكثر في أحيان أخرى، ولا عجب في ذلك لأن كل صحفي لا يعزم أن يكون هو نفسه السلطة الرابعة سيأتي عليه يوم يصير سلطة خاضعة يحدودب ظهرها في نهاية المشوار من فرط الانحناء لركابها من المتردية والنطيحة وما أكل السبع. .ويجعل المتابعين من العامة يتساءلون عن ماهية الصحفي وقد صار لا يُعرف هل هو مستقل بذاته أم أنه جندي السلطة الحاكمة ضد الشعب وضد المعارضة الحرة دائما؟!
شهوة هذه الأسئلة وأخرى أثارتها التغطية الإعلامية التي حظيت بها مسيرات “أصحاب السبت” التي يُشاع أنها جاءت ضد التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للجزائر بعد تعليق البرلمان الأوروبي على الوضع الراهن، وإلى هنا الأمر طبيعي بَيد أن الغريب هو أن الحراك الشعبي الجارف يوم الجمعة ورغم رفعه شعارات إدانة التدخل الأجنبي بشتى عبارات الهجاء والاستهجان إلا أنه مازال منذ أشهر مُغَيَّبا عن صحافة البرواز الأصفر، وهذه أكبر وأبشع عملية تخوين تحدث في الجزائر إذ أرادت السلطة الحاكمة بشكل أو آخر تصوير أهل الحراك على أنهم دعاة التدخل الأجنبي وفساد الأرض وهلاك الحرث والنسل من أجل تمرير مشروعها الانتخابي المرفوض شعبيا.
إن الصحفي طرف في لعبة النظام الفاسد، وهو اليوم كما بالأمس أداة سياسية وليس شاهدا محايدا على الحدث لكن بأكبر مستوى من التزييف والتزوير. . .ومن باب الإنصاف لبعض الصحفيين الأحرار الذين تم اعتقالهم ومحاكمتهم بسبب كتاباتهم وأحيانا بسبب مواقفهم الخاصة التي يعلنون عنها عبر مقالات الرأي أو منشوراتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.. أقول من باب الإنصاف لهؤلاء نستحضر أساليب السلطة في صناعة العبيد؛ فأولا وآخرا إنهم يصنعون من الجياع صحفيين، والمعنى منع الإشهار عن المؤسسات الإعلامية وتوزيعه وفقا لمستوى الخنوع والانبطاح والدياثة، لكن على قول المثل الشعبي: “الشبعان إذا جاع ماتخاف منه والجوعان إذا شبع يغتر”.. ومن حكمة علي بن أبي طالب أنه قال:”لا تخالط نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل، وخالط نفسا جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل”
إن أخلاق الصحفي هي تربية أهله، فالذي تربى على الكذب وشهادة الزور لا يمكن بأي حال أن ننتظر منه الالتزام بأخلاقيات المهنة وتحري المصداقية، والمجد والخلود للبررة والشرفاء من الصحفيين، فاليوم أو غدا سيعلو صوت الحق أما الباطل كان منذ الأزل زهوقا زهوقا.
بقلم: فايزة سعد لعمامري