في 26 جوان 2021، خصّصت صحيفة The Guardian البريطانية مقالًا لرواية “الشق” (La Faille)، للصحفي والكاتب الجزائري محمد شريف لعشيشي، ووقّع المقال الصحفي فيليب أولترمان، الذي شدّد على الطابع التنبّئي للعمل، حيث اعتُبر وكأنه تنبّأ بحراك 2019، وهو الحركة الشعبية التي هزّت الجزائر. هذا الاعتراف الدولي، الذي جاء في إطار مشروع “كاساندرا”، أعاد إحياء النقاشات حول مكانة الأدب الجزائري وطريقة استقباله على الساحة الدولية.
رواية تنبؤية ضمن مشروع مثير للجدل
تم اختيار La Faille من بين 300 عمل أدبي دولي ضمن مشروع كاساندرا، وهو برنامج أطلقته جامعة توبنغن الألمانية بتمويل من وزارة الدفاع الألمانية. كان الهدف من المشروع هو استشراف الأزمات السياسية الناشئة من خلال تحليل الأعمال الأدبية المعاصرة، مما أثار تساؤلات حول إمكانية توظيف الثقافة لأغراض استراتيجية. قادت هذا المشروع أورسولا فون دير لاين عندما كانت وزيرة الدفاع الألمانية، قبل أن تصبح رئيسة للمفوضية الأوروبية.
ومن بين الأعمال التي لفتت الانتباه، تميّزت La Faille بتحليلها العميق للتوترات الاجتماعية في الجزائر، حيث حصلت على 22 نقطة في التصنيف. ومع ذلك، فقد كانت رواية “2084” للكاتب بوعلام صنصال هي التي نالت المراتب الأولى، بفضل نقدها للإسلام السياسي. وقد أثار هذا الاختيار تساؤلات، حيث رأى البعض فيه تفضيلًا لرواية تتماشى مع التوجهات الغربية.
رؤيتان مختلفتان للجزائر: لعشيشي وصنصال
قارن فيليب أولترمان بين رؤى لعشيشي وصنصال. ففي حين أن 2084 تُبَسِّط القضايا الجزائرية من خلال منظور ديستوبي (مستقبلي سوداوي)، تقدّم La Faille رؤية أكثر واقعية ودقة حول المشهد الاجتماعي والسياسي المحلي. حيث يصوّر صنصال المجتمع الجزائري على أنه مجتمع متجمد في تقاليده، بينما يكشف لاشيشي عن تناقضاته، وتحولاته، وتطلعاته.
لكن هذه الفروقات تتجاوز الأدب وحده. فبينما تم الاحتفاء ببوعلام صنصال دوليًا لفترة طويلة، إلا أنه اليوم معتقل في الجزائر بتهم تتعلق بأنشطة تخريبية. أما محمد شريف لعشيشي فقد اختار الصمت، مما أثار تكهنات حول ما إذا كان قد انسحب طوعًا أو أُجبر على ذلك.
الشرعية الغربية والذاكرة التاريخية
تعكس المسارات المختلفة لهذين الكاتبين توترات أعمق. فقد ترافق الاعتراف الدولي بصنصال وكمال داود، وهو كاتب جزائري آخر نال جوائز في فرنسا، مع انتقادات محلية شديدة. حيث وُجّهت لهما اتهامات بتقديم خطاب ينطوي على جلد الذات، مما جعلهما في نظر البعض خاضعين لأجندات ما بعد استعمارية.
وتأخذ هذه الانتقادات بعدًا خاصًا في حالة لاشيشي، نظرًا إلى أن والده كان معتقلًا خلال حرب التحرير الجزائرية. مما يمنح La Faille شرعية تاريخية قوية، على عكس الأعمال التي يُنظر إليها على أنها منفصلة عن الواقع الجزائري.
ما بعد الجدل: عمل أدبي عالمي
رغم الجدل الدائر حول مشروع كاساندرا، تتجاوز La Faille هذا السياق لتطرح أسئلة ذات طابع كوني. فمن خلال أسلوبه الحاد والملتزم، يسلط لعشيشي الضوء على الانقسامات داخل مجتمع يبحث عن التغيير، متجاوزًا بذلك السرديات السائدة.
تُجسّد هذه الرواية الإمكانيات التي يمتلكها الأدب الجزائري لكسر الحدود الجغرافية، وإقامة حوار مع العالم، مع البقاء وفيًا لجذوره وهويته. ورغم اختلاف نهجي 2084 وLa Faille، فإن عمل لعشيشي يبرز كـشهادة محورية، محلية وعالمية في آنٍ معًا، حول الأزمات المعاصرة.
ل م