يبدو أن بعض الأعمال الدرامية الرمضانية هذا العام قررت أن تختبر صبر المشاهد الجزائري، ليس فقط من حيث الجودة الفنية، بل أيضًا من حيث الرسائل التي تمررها. مسلسل “الأب الأعزب”، الذي جاء ليعلن عن “العودة الكبرى” للممثل سمير عبدون، لم يثر الجدل بسبب أدائه الذي أثار موجة من السخرية فحسب، بل أيضًا بسبب طرحه غير المسؤول لقضية حساسة: التحرش في بيئة العمل، لكن هذه المرة بنكهة “الكوميديا”!
“خفة ظل” أم تمجيد لسلوك مرفوض؟
المسلسل يقدم لنا شخصية الأب المطلق، الذي بدلاً من أن يكون نموذجًا إيجابيًا لرجل يحاول التوفيق بين دوره كأب وحياته الشخصية، يظهر كمطارد محترف للنساء، حتى في أماكن عملهن، حيث يستغل كل فرصة للتودد إليهن بطريقة تصوَّر على أنها “ظريفة” و”غير مؤذية”.
المشكلة أن هذا السلوك الذي يُفترض أنه مصدر الفكاهة في العمل، يعكس واقعًا تعاني منه الكثير من النساء في حياتهن اليومية، لكنه هنا يُطرح وكأنه مجرد “مزحة ثقيلة”!
في مجتمع يكافح لمحاربة ظاهرة التحرش في أماكن العمل، يأتي المسلسل ليقدمها كتصرف طبيعي، بل ومرغوب أحيانًا، متناسيًا أن هذه السلوكيات ليست مجرد “مداعبات بريئة”، بل تجاوزات لها آثار نفسية ومهنية على الضحايا. لكن من الواضح أن صنّاع المسلسل قرروا تجاهل هذه الحقائق، لأن “الإضحاك بأي ثمن” كان الأولوية المطلقة.
الفن مسؤولية.. فهل يدرك صناع المسلسل ذلك؟
التلفزيون ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو أداة قوية في تشكيل الوعي المجتمعي. وعندما يصبح التحرش موضوعًا كوميديًا، يتم تبييضه في عقول المشاهدين، خاصة الشباب، الذين قد يرون في تصرفات بطل المسلسل نموذجًا يستحق التقليد. والأدهى من ذلك، أن العمل لم يكتفِ بتشويه صورة المرأة، بل أيضًا قدم الرجل الجزائري وكأنه كائن غريزي لا يستطيع التحكم في تصرفاته داخل بيئة مهنية.
مسلسل كان يمكن أن يكون فرصة.. فأصبح خيبة!
عودة سمير عبدون إلى الشاشة الصغيرة كان يمكن أن تكون خطوة إيجابية لو حملت معها عملًا ناضجًا يليق بالمشاهد الجزائري، لكن للأسف، جاءت العودة محمّلة برسائل خاطئة ومعالجة سطحية لمواضيع حساسة. وبينما تتطور الدراما في مختلف دول العالم لتناقش قضايا المجتمع بوعي ومسؤولية، يصرّ بعض صناع المحتوى عندنا على تقديم أعمال تعيدنا إلى الوراء، حيث يتم التعامل مع قضايا جادة بأسلوب يستخف بعقلية المشاهد.
في النهاية، قد ينسى الجمهور تفاصيل المسلسل بعد انتهاء رمضان، لكنه لن ينسى حتماً أنه كان أمام عمل لا يحترم قيمه ولا يعكس واقعه بالشكل الذي يستحقه. أما بالنسبة لسمير عبدون، فربما عليه أن يعيد التفكير في نوعية الأعمال التي يختارها، لأن العودة إلى الشاشة لا تعني شيئًا إن كانت بهذه الطريقة!