باتت مواقع التواصل الاجتماعي منصة يلهث وراءها كثيرون بحثًا عن الشهرة، لكن حين يتعلق الأمر برجال الدين، فإن الأمر يأخذ أبعادًا أكثر خطورة، خاصة عندما تتحول خطبهم ومواعظهم إلى محتوى استعراضي يغلب عليه الطابع الشعبوي والاستهتاري.
وقد برزت مؤخراً نماذج من “الأئمة المؤثرين” الذين يستخدمون أسلوبًا شعبويًا لجذب الانتباه، متخلين عن وقار المنبر ومكانة الإمام في المجتمع، ما يهدد صورة الخطاب الديني ويثير الجدل حول ضرورة فرض رقابة أكثر صرامة على هذا النوع من النشاط.
تصريحات غير مسؤولة تثير الجدل
في إحدى الحوادث التي أثارت ردود فعل واسعة، ظهر أحد الأئمة في مقطع فيديو يقول: “لو فتحت لنا الحدود إلى غزة لقمت بعض نتنياهو عضا وقضيت عليه”.
هذا النوع من الخطاب، الذي يبدو بعيدًا عن الحكمة الدينية وعن الدور التوعوي المنوط برجال الدين، أثار موجة من السخرية على مواقع التواصل، حيث استغله البعض في إنشاء مقاطع ساخرة تحوّل فيها الإمام من شخصية دينية إلى مادة كوميدية.
وفي حادثة أخرى، أثار نفس الإمام جدلاً واسعًا عندما صرّح بأن “من لا يملك عملاً ومنزلاً لا يجب أن يتزوج”، وهو رأي صادم بالنسبة للكثير من الشباب، هذا التصريح لم يمر مرور الكرام، حيث واجه سيلًا من الانتقادات، معتبرين أن مثل هذه التصريحات تعكس انفصال بعض الأئمة عن الواقع الاجتماعي، وتزيد من إحباط الشباب بدلًا من تقديم خطاب ديني متزن يعالج مشاكلهم بحكمة وتعقل.
عندما يتحول الإمام إلى صانع محتوى شعبوي
لم يعد غريبًا أن نجد بعض الأئمة يتعاملون مع منصات التواصل الاجتماعي كما لو كانت مسرحًا لاستعراض مهاراتهم في إثارة الجدل، بحثًا عن المشاهدات والتفاعل.
هذه الظاهرة تطرح تساؤلات جوهرية حول الدور الحقيقي للإمام في المجتمع، وهل من المقبول أن يتحوّل من داعية ومُصلح إلى شخصية مؤثرة تخضع لمنطق “الترند” والتفاعل الرقمي؟
إففي الوقت الذي يفترض فيه أن يكون الإمام رمزا للاتزان والرصانة، إلا أن بعض الأئمة اليوم اختاروا أسلوبًا شعبويًا يسعى للإثارة بدل الإرشاد، ما يُضعف من هيبة الخطاب الديني ويجعله عرضة للسخرية.
أين دور وزارة الشؤون الدينية؟
في ظل تنامي هذه الظاهرة، يبرز التساؤل حول دور وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في مراقبة سلوك الأئمة الناشطين على مواقع التواصل، فمن غير المعقول أن يترك الحقل الديني عرضة للفوضى، حيث يفترض أن تخضع خطب الأئمة لمعايير صارمة، سواء داخل المساجد أو في الفضاء الرقمي، حتى لا يتحول المنبر إلى منصة لترويج الأفكار الشعبوية والخطاب الفوضوي.
إن الرقابة على هذا النوع من النشاط لا تعني تقييد حرية التعبير، بل تهدف إلى حماية صورة الإمام والدين الإسلامي من الانحرافات التي قد تسيء إليه، خاصة في عصر أصبح فيه التأثير الرقمي أقوى من أي وقت مضى.
ينبغي أن تتدخل الوزارة لضبط الخطاب الديني في المنصات الرقمية، من خلال وضع قوانين تلزم الأئمة بالالتزام بأخلاقيات الدعوة، ومعاقبة من يستغل منصبه الديني لأغراض استعراضية.
إن ظهور “الأئمة الشعبويين” يعكس تحديًا جديدًا يواجه الخطاب الديني، ففي الوقت الذي تحتاج فيه الأمة إلى خطاب ديني رصين يعالج قضايا المجتمع بوعي وحكمة، نجد بعض الأئمة ينجرفون وراء لغة الإثارة والشعبوية، ما يضعف دورهم ويشوه صورة الإمام في أعين الناس.
الحل يكمن في فرض رقابة صارمة من قبل وزارة الشؤون الدينية، إلى جانب وعي مجتمعي يرفض تحويل المنابر الدينية إلى ساحات للجدل والاستهزاء.
محمد الطيب